كل الكلام المنمّق حول زيارة رؤساء الحكومة السابقين للسعودية، لا يخفي أن العلاقة بين السعودية ورئيس الحكومة سعد الحريري تراوح مكانها. هي تعرف مكمن ضعفه، وهو لا يبدو متأهباً للإخلال بتسوية تبقيه رئيساً للحكومة مهما كلف الأمر.في الشكل إنها زيارة دعم لرئيس الحكومة سعد الحريري وصلاحياته والحصول على دعم سعودي له وللبنان. لكنها في الواقع تدقّ مسماراً جديداً في حكم الحريري، وتجعل منه مرة أخرى في موقع الطرف غير الأقوى سنياً، ولا تحصد له في المقابل رافعة سعودية. هي سابقة في تاريخ علاقة رؤساء الحكومات مع الرياض، والأخص تاريخ علاقة عائلة الحريري معها. تبعاً لذلك لا يعود السؤال المتعلق بالزيارة، هو ماذا أراد رؤساء الحكومات السابقون منها، بل أيضاً ماذا تريد السعودية من الحريري.
يقول مطّلعون على أجواء السعودية، إن موقف الرياض لم ولن يتغير من المعادلة التي رست عليها التسوية الرئاسية. وهذا الأمر ثابت ولا يخضع لتحولات جوهرية، مهما تغيرت أشكال التعامل الرسمي الحالي مع لبنان. والمعادلة التي قضت بـ«التخلي» عن رئيس الحكومة أكثر من مرة حتى الآن لا تزال هي نفسها: لا تثق السعودية بالحريري، في ظل المسار الذي يعتمده منذ ثلاث سنوات، كما أن موقفه منها بات محكوماً بسقف إقليمي ودولي أمّن له مظلة واقية لا أكثر ولا أقل، فلم يعد شخصاً «غير مرغوب فيه» في المملكة، إنما لا يزال شخصاً غير موثوق به فيها. لأن السعودية تعرف مكمن ضعف الحريري، أي تمسكه برئاسة الحكومة لأسباب تتعدى مسألة ترتيب أوضاعه السياسية والمالية نتيجة مؤتمرات دولية كـ«سيدر» أو شراكات نفطية. بل لأن رئاسة الحكومة، وعلى طريقة الحريري بمزج الخاص بالعام، تؤمّن له حصانة سياسية دولية وإقليمية، نتيجة تعثر أعماله وديون مترتبة في السعودية وغيرها. وهذه الحصانة الرئاسية لا تزال تحميه من مسارات قضائية غير متوقعة. من دون هذا الموقع يعود الحريري مجرد رجل أعمال، إضافة الى مراكمته كمية من الهفوات تجاه الرياض واللاصداقات فيها، ما يجعله خارجاً عن دائرة المحظيين فيها.
من هنا، تتحول زيارة رؤساء الحكومات الثلاثة، غير ذات فائدة بالمعنى العملي، لأن مسار الحريري ومصيره هو في يد وليّ العهد محمد بن سلمان الذي لم يلتق الوفد الثلاثي. وكل كلام، حتى لو كان صادراً من العاهل السعودي، يبقى في دائرة المواقف العلنية غير المؤثرة فعلياً في شأن الحريري. فاللقاء الأخير الذي جمع الحريري بوليّ العهد لم ينتج أكثر من صورة ووعود بترتيب أوضاعه، في حال استجاب الحريري لخريطة الطريق السعودية. وهو الأمر الذي لم ولن يحصل. فكل ملاحظات السعودية على أداء رئيس الحكومة وعلاقته بالعهد ووزير الخارجية لا تزال حبراً على ورق، ولم يترجمها تحسناً في أدائه مع حلفاء السعودية إلا في ما تقتضيه المصلحة الآنية، أو تخفيفاً من قوة الروابط التي باتت تجمعه مع خصومها.
الرؤساء السابقون للحكومة يعرفون أن الحريري لن يخرج من العباءة التي لبسها قبل 3 سنوات


النقطة الثانية على هامش الزيارة، هي أنها تتعدى واقع طلب الوفد الثلاثي إعادة الاعتبار للطائف أو احتضاناً سعودياً متجدداً للحريري، كي يتمكن من تثبيت أقدامه أو دعم مالي للبنان الذي يراه الثلاثة واقعاً تحت إدارة حكم غير موالية للسعودية. فتوقيت الزيارة إقليمياً، مهما كانت الذرائع ملحّة لبنانياً، لا يدفع السعودية الى أجندة مختلفة حيال لبنان، في ظل الضغط الأميركي المتجدد عليه والعقوبات المرتفعة حدّتها على حزب الله. وأي خطوة سعودية رفيعة المستوى ستعدّ إنقاذاً للوضع الداخلي المهترئ، ولا تجد الرياض حالياً مغزى في خطوة كهذه حالياً. لا بل إن السعودية لا تتصرف مع لبنان ككل، بل تتعامل مع كل فئة أو طرف أو شخصية سياسية أو عسكرية على حدة. وأي خطوات جانبية من نوع اتفاقات رسمية مع الدولة، لا تعدو كونها من باب رفع العتب.
لذا يمكن التصويب أكثر على موقع الحريري في ما جرى، لأن الزيارة تكرس سابقة، من خلال تشكيل رؤساء حكومة ظل، للرئيس الفعلي للحكومة، وهذا يطال زعامة الحريري أولاً وأخيراً. والحريري، المأزوم سنياً، استجلب لنفسه رافعة سنية، لا يمكن بعد الآن تخطيها، مهما كان التنسيق قوياً بين رؤساء الحكومة السابقين والرئيس الحالي. والثلاثة يعرفون بتجربتهم السابقة، أن طبيعة الحريري تجعله في شكل دائم أسير طرف ما، وهذه نقطة ضعف تجعل منهم قوة سنية رديفة، لا تصب في مصلحة رئاسة الحكومة الحريرية، ولا سيما أن مآخذ الثلاثة عليه كثيرة، في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة وعلاقته بوزير الخارجية، وهم على محاولتهم نيل دعم سعودي له لتمتين موقفه، إلا أنهم يعلمون بالتجربة الحية، ولا سيما السنيورة الأقرب تاريخياً إليه، انه مهما كانت نوعية الدعم المقدم إليه، فإنه في نهاية المطاف لن يخرج من العباءة التي لبسها قبل ثلاث سنوات. وهي مختلفة عن تلك التي ارتداها عام 2005.