لم يصل تفاهم الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي بشأن انتخاب رئيس ونائب رئيس جديدين لبلدية طرابلس إلى خاتمته السعيدة، إذ تعثر وسقط في جلسة الانتخاب التي عقدت أمس في قاعة الاستقلال بسرايا طرابلس بإشراف محافظ الشمال رمزي نهرا.عشرة أعضاء فقط من أصل 23 عضواً (مجلس بلدية طرابلس مكوّن من 24 عضواً، لكن أحد الأعضاء وهو يحيى فتال استقال منذ مدة) حضروا الجلسة، ما جعل النصاب القانوني لعقد الجلسة ومباشرة عملية الانتخاب مفقوداً. وبعد انتظار دام أكثر من نصف ساعة، بعد الموعد المحدد عند الساعة العاشرة من قبل ظهر أمس، رفع نهرا الجلسة وعيّن جلسة جديدة لهذه الغاية يوم الخميس المقبل (25 تموز).
أكثر من سبب أدّى إلى عدم تأمين النصاب وسقوط التسوية التي توصّل إليها الحريري وميقاتي أول من أمس، والهادفة إلى انتخاب عزام عويضة المقرّب من ميقاتي رئيساً للبلدية، وشادي نشّابة المقرّب من تيار المستقبل نائباً للرئيس. أهم تلك الأسباب: غياب إجماع الحدّ الأدنى المطلوب بين الأعضاء على هذه التسوية، نتيجة طموح أكثر من عضو لانتخابه في أحد المنصبين، وعدم قدرة ثنائي الحريري ــــ ميقاتي، بسبب عدم امتلاكهما أغلبية كي تؤمن لهما النصاب المطلوب، على إقناع بقية الأعضاء بتفاهمهما «الفوقي» الذي لم يستطيعا ترجمته على أرض الواقع.
مجموعة الأعضاء الـ 11 «المعارِضة» بقيت على موقفها بدعم ترشيح رياض يمق، أحد أعضائها، لمنصب الرئيس، فغاب جميع أعضائها عن الجلسة برغم أن بعضهم جاء إلى السرايا، لكنه لم يدخل القاعة. وحاول مساعدو الحريري وميقاتي المكلفون بتنفيذ التسوية، عبد الغني كبارة وعماد الصايغ تحديداً، إقناع الأعضاء الـ 12 المتبقين بحضور الجلسة بهدف تأمين النصاب، وبالتالي انتخاب عويضة ونشابة، لكن جهودهما باءت بالفشل نتيجة تمسك صفوح يكن بترشحه لمنصب نائب الرئيس، ووقوف زميله لؤي المقدم إلى جانبه، ما فرض استمرار التفاوض والمشاورات حتى ساعات متأخرة من ليل أول من أمس، نجم عنه إدخال تعديل على التسوية قضت بسحب ترشيح نشابة وتبني يكن مكانه.
وكما كان مصير التسوية، كذلك كان مصير التعديل الذي دخل عليها. إذ أبدت قيادات داخل تيار المستقبل اعتراضاً على ما طرأ من تعديل، نتج منه توصل القيادة الزرقاء، بعد مراجعة لما حصل، إلى اقتناع بأن التعديل لا يصبّ في مصلحتها، فأوعزت إلى أعضائها بتبادل الأدوار، فحضر رئيس البلدية السابق أحمد قمر الدين ونشّابة، بينما غاب أحمد المرج ونور الأيوبي، الأمر الذي جعل النصاب مفقوداً، وأدى إلى تطيير الجلسة.
مصادر مطلعة في تيار المستقبل أوضحت لـ»الأخبار» أسباب اعتراضها على التعديل الذي حصل، ورفضها تبني يكن، الإسلامي المعتدل والمقرب من فريق 8 آذار، والذي كان في عداد لائحة الكرامة الوطنية في الانتخابات النيابية الأخيرة التي فاز منها النائبان جهاد الصمد وفيصل كرامي، إذ اعتبرت أن «هذا يعني تسليم بلدية طرابلس لميقاتي وفريق 8 آذار، وهذا بمثابة انتحار سياسي لا يمكننا أن نقدم عليه، وأن معالجة خطأ إسقاط قمر الدين لا يكون بارتكاب خطأ آخر».
هذه الحسابات السّياسية والشخصية المعقدة، وعدم قدرة الأفرقاء المعنيين على الاتفاق على قاسم مشترك، ولو بالحدّ الأدنى، سيجعل مصير جلسة الخميس المقبل، على الأرجح، مجهولاً، ما كشف أزمة بنيوية عميقة تعانيها المدينة وبلديتها.