مثل اليوم، كان الشهيد سمير القنطار ورفاقه أسرى «عملية الوعد الصادق» يعيشون نشوة الأمل بالحرية. المقاومة صمدت فانتصرت «لا يمكن الإفراج عن أسرى العدوّ إلا بالتفاوض غير المباشر والتبادل».أتعلمون يا سيد... كيف جابت تلك العبارة أقبية الزنازين؟ أيّ حرية رُسمت على وقعها خلف الأسلاك الشائكة، داخل جدران حجرية رطبة، على أكف سنوات من العمر وقد احتلها الوهن، بين تعذيب وأمراض مستعصية وموت بطيء؟
ربما فات سمير تخايل العرق المتصبّب من جبينه وأنتم تمسكون بيده على المنبر أمام «أشرف الناس». لحظةٌ كانت كافية لتنسيه قرابة ثلاثة عقود من الأسر، لحظة، تختصر أحلام الحرية كلها التي رافقته ليل الاعتقال ونهاره.
لكن، ما لم يكن بالحسبان... أن نرى التضحيات والعرق والدم وقد صادرها فاسدون وسارقون.
أحلامنا يا سيد كانت في المعتقل أكثر نظافة. كنا نعتقد أن البلد لنا، للمقاومين لا للعملاء... للشرفاء لا للخونة.
يحكم معاناتنا لصوص المال العام. يصادر عذاباتنا كل من لوّث الهواء والماء. من يحرمنا العيش بظل حياة كريمة. ما الفرق يا سيد بين من كان يُجري تجارب طبية على أجسادنا في المعتقل وبين أولئك الذين يقدمون لنا الدواء الفاسد. ما الفرق بين الجلاد في المعتقل الذي يقتلنا بدم بارد وبين مسؤول يسمسر على حساب صحة أطفالنا فيقدّم لهم الطعام الفاسد لقاء حفنة من المال. في المعتقل، واجهنا عملاء الزنازين، طردناهم من غرفنا وفرضنا على السجان أن يحتجزهم عنده، فأصبحوا عبئاً عليه. فكيف يسعنا أن نقبل ونحن في الحرية أن يتحولوا الى ضحايا، الى مبعدين قسراً؟ ربما يأتي اليوم الذي يصير لهم جمعية وأحزاب وممثلون في الندوة البرلمانية حتى.
أحقاً إن هذا الوطن الذي نعيش فيه هو الوطن الذي حررنا أرضه، دحرنا الغزاة عن ترابه، هزمنا جيشه؟ هل هذا الوطن الذي نعيش فيه هو الوطن الذي ذقنا ويلات التعذيب في السجون والمعتقلات لأجله؟
سماحة السيد. ماذا نقول لأبناء الشهداء؟ هل نقدم لهم الاعتذار؟ هل نقول لهم إن تضحيات آبائكم ذهبت هدراً على وطن تتقاسم الحكم به سلطة المحاصصة الطائفية، سلطة مشبعة بالأحقاد والأنانية والمصلحة الخاصة والكراهية... سلطة همّها الوحيد تكديس الثروات ولو على حساب الشعب. ماذا نقول للجرحى؟ كيف نضمّد جراحهم في وطن لا يشبه تضحياتهم؟ كيف نقنعهم بأن ما نحن بصدده، هو وطن لم نبنه بعد، وسوف يتطلب ذلك خوض معركة أخرى، ربما أشد ضراوة من كل المعارك التي خضناها، قد ننتصر بها، وقد لا؟
كيف نركن للأمل يا سيد، وهل بمقدور أبنائنا أن يروا سارقاً وفاسداً واحداً يُحاكَم ويدخل الى السجن، يكون عبرة لمن اعتبر، بعدل القضاء إن توفر أو بقوة المقاومة إن أمكن؟ أو، وإن تعذر ذلك... «فردّني» إلى المعتقل، علّني أرى وطني من خلف السياج والقضبان أجمل...