لم يكن لبنان الرسمي والشعبي بحاجة إلى حادثة معوض ليل السبت ــــ الأحد الماضي لاختبار إمعان العدو الإسرائيلي في انتهاك القرار 1701. منذ اليوم الأول لصدور القرار، بدأت الانتهاكات الإسرائيلية، لكن المفارقة لم تكن هنا، بل في وقوف قوات اليونيفيل موقف المنحاز تماماً لإسرائيل بكل ما تقوم به. في السنوات التي تلت 2006، انتقلت اليونيفيل من المنحاز الى الطرف، وباتت في كثير من الأحيان وكيلاً عن العدو، سواء تعمدت ذلك أو لا.في هذا السياق، يصبح مفهوماً تكثيف الحملات الإعلامية من قبَل اليونيفيل خلال السنوات الماضية، سواء عبر الإعلام التقليدي أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، لمحاولة تجميل صورتها أو تقريب أهالي الجنوب منها، بالتزامن مع «المشاريع السريعة الأثر» التي تنفذها في مناطق انتشارها. لكن كل ذلك لم يحل دون وقوع كثير من الحوادث بينها وبين الاهالي.

تجاوز الشروط الاجتماعية
منذ بدء مهماتها في الجنوب، بدأت شكوى الأهالي من بعض التجاوزات. وعلى امتداد السنوات الماضية، أصبح انتهاك الخصوصية وعدم مراعاة الشروط الاجتماعية في الجنوب سمة بارزة في أداء اليونيفيل. يبدأ الأمر من الإزعاج المتكرر الذي تمارسه بعض المواقع لمحيطها، سواء في الاحتفالات والمراسم العسكرية أو الهبوط المروحي المتكرر ليلاً ونهاراً، فضلاً عن التشويش على الاتصالات الهاتفية وخدمات الإنترنت في المناطق القريبة. الشكاوى تكررت مرات عدة من أهالي بلدة برج الملوك، حيث تسببت أجهزة الإرسال الخاصة بمركز الكتيبتين الإسبانية والصربية والمركّبة على مدخله، بالتشويش على الأجهزة الخلوية العائدة لأهالي البلدة وانعدام الإرسال فيها. وعلم الأهالي من الأجهزة الأمنية اللبنانية أن التردّدات المستخدمة من اليونيفيل غير مرخّصة من قبل وزارة الاتصالات للاستخدام من قبل القوات الدولية.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه الى تسليط الكاميرات المنتشرة في مختلف المواقع على منازل المواطنين وبعض هذه الكاميرات يبلغ مدى رؤيتها عدة كيلومترات. كذلك، فإن كاميرات بعض المواقع تغطي الطرقات العامة وتسجل حركة العبور المدنية من دون أي مسوغ، وبشكل لا يرعاه القرار الدولي الصادر.

تتجاوز «اليونيفيل» الجيش عبر عدم التنسيق معه لفتح قنوات اتصال مباشرة بأجهزة أمنية لبنانية (هيثم الموسوي)

الأهالي والمجالس المحلية لم يتذمروا حصراً من تلك الكاميرات. في مناسبات عدة، تكررت الشكوى من كاميرات الآليات العسكرية والمدنية التي يستخدمها جنود اليونيفيل والذين قاموا في أكثر من مناسبة بتصوير مواطنين بشكل غير مباشر أثناء وجودهم على الطرقات وفي المحال التجارية، وصولاً إلى داخل منازلهم أو أثناء زياراتهم وسهراتهم، وحتى أوقات تناول الطعام على شرفات المنازل! كذلك فإن بعض الصور التقطها صحافيون أجانب رافقوا اليونيفيل في بعض جولاتهم في القرى والبلدات من دون التنسيق مع الجيش اللبناني.
على أن هذا التصوير لم يقتصر فقط على الكاميرات الخاصة بالآليات أو الموظفين المدنيين في اليونيفيل (سيارات مدنية استخدمها موظفون أجانب في اليونيفيل كانت مزودة بكاميرات وتحركت داخل الأحياء السكنية الضيقة في القرى وليس في الطرقات العامة)، بل إنه وفي حوادث متفرقة حصل تلاسن بين مواطنين وجنود قاموا بالتقاط صور لهم من هواتفهم النقالة الشخصية.

انتهاك خصوصية المواطنين
قد تبدو عمليات التصوير الانتهاك الوحيد لخصوصية المواطنين، إلا أن هذا يصبح تفصيلاً أمام دخول الملكيات الخاصة، وهذا ما لا يجيزه القرار الأممي الرقم 1701. على امتداد السنوات التي تلت 2006، حصلت عشرات الحالات من دون تنسيق مع الجيش اللبناني ومن دون إذن مسبق من أصحاب الملكيات. في بلدة كفركلا، مثلاً، قامت دورية راجلة تابعة للكتيبة الإسبانية بنشاط ميداني داخل بساتين الزيتون وفي محيط المنازل السكنية في البلدة وخارج المسلك المحدّد لها. وفوجئ قاطنو المنازل بذلك (أيار 2017 )، وهو ما تكرر في كفركلا ــــ العديسة في أكثر من مناسبة، سواء في البساتين أو المنازل أو حتى البيوت قيد الإنشاء. من الحوادث التي يصفها رواتها بـ«المضحكة» ما حصل في بلدة شمع حيث دخلت دورية تابعة للوحدة الإيطالية محلاً للألبسة وصادرت ملابس داخلية للرجال. و«صُدِم» صاحب المحل بأن الدورية لم تنسق مع الجيش ولم تحصل على موافقة مسبقة من النيابة العامة اللبنانية (نيسان 2018).
البلديات بدورها اشتكت من هذه الانتهاكات، تماماً كما حصل مع بلدية شقرا، حيث أزاحت دورية نيبالية مكعبات اسمنتية كانت قد وضعت في مدخل أحد الأودية حفاظاً على سلامة المواطنين (تموز 2018). وحصل ما يماثل ذلك في بلدة عيتيت عندما حاولت دورية فرنسية إزالة بعض البلوكات الخاصة بالتنظيم المدني، فضلاً عن محاولتها العبور داخل البلدة من خارج المسار المعتمد مع الجيش اللبناني، فبادرت دورية الجيش بالرفض، إلا أن الدورية الفرنسية دخلت لاحقاً بشكل مستقل.
ولعل من شواهد الانتهاك لحقوق المواطنين هو قضية مقبرة الناقورة، حيث تعد العلاقة بين أهالي البلدة واليونيفيل قديمة (تمتد إلى 40 عاماً). أكبر مواقع اليونيفيل في لبنان ومقر قيادتها يقع في أرض البلدة. لكن القوة «أخذت» المقبرة وسيطرت عليها مع ما تشكله من بعد ديني اجتماعي وعاطفي، وفرضت إجراءات بيروقراطية على كل من يريد زيارة قبر قريب له.

تجاوز الجيش اللبناني
لا يقف الأمر عند تعمّد غياب التنسيق مع الجيش في مسائل عبور طرقات ومسالك غير تلك المتفق عليها أو القيام بدوريات ودخول ملكيات خاصة وغيرها، بل يتعداه الى الاتصال بجهات محلية من دون التنسيق مع المؤسسة العسكرية اللبنانية، كما حصل في مركبا حيث اعترض جنود اليونيفيل خلال لقاء مع محليين على وجود عنصر من الجيش اللبناني (آب 2017)، او كما جرى مع رئيس بلدية الوزاني حيث استقبل وفداً من وحدة التعاون العسكري المدني فطلب منه الوفد معلومات مفصلة عن قضايا، منها أسماء الرعاة في البلدة، ما قابله رئيس البلدية بالرفض مبلغاً الأجهزة المختصة بذلك (آذار 2018 ). من الأمثلة المتعددة أيضاً ما قام به عنصران من الكتيبة الكورية حيث حضرا، كمدنيين، الى إذاعة صوت الفرح في صور وطلبا معلومات مفصلة عن أحد الموظفين وخرائط مفصلة عن مدينة صور (كانون الثاني 2018).
تساوي «اليونيفيل» بين خرق الطائرات الأجواء اللبنانية ودخول أحد الرعاة مناطق متحفّظاً عليها


تجاوز الجيش يحصل أيضاً بمحاولة الحصول على معلومات بطريقة مباشرة وغير مباشرة، من خلال اعتراض مواطنين يتجولون في بلداتهم أو قراهم وسؤالهم عن تفاصيل خاصة بهم أو بالمحيط، فضلاً عن محاولة فتح قنوات اتصال مع أجهزة أمنية لبنانية بشكل منفرد، والقيام بإجراءات وحواجز بشكل أحادي تتضمن قطع طرق وانتشاراً وتفتيشاً وتدقيقاً... ما تقدّم كاد يتسبب بتضارب بين جنود اليونيفيل ومواطنين في أكثر من مناسبة لغياب عناصر الجيش. التجاوز يتجسد أيضاً باستغلال نقاط الجيش وأبراج مراقبته من دون العودة إليه، أو حتى عدم احترام الحواجز التي نصبها لحفظ الأمن ورفض الامتثال لأوامر العناصر، وصولاً إلى الاتصال بقطعات عسكرية للجيش شمالي الليطاني من دون المرور بآلية الارتباط مع الجيش ولا بقطاع جنوبي الليطاني في المؤسسة العسكرية، وليس انتهاء بتسيير طائرات غير مأهولة فوق نقاط ومراكز تابعة للجيش اللبناني.

تجاوز منطقة العمليات
حدد القرار الأممي الرقم 1701 منطقة عمليات اليونيفيل بصورة دقيقة، فحصر نشاطها بمنطقة جنوبي نهر الليطاني. لكن ذلك تم تجاوزه مرات عديدة، بذريعة «عدم العلم بالحدود». ومع تكرر الفعل، تكبر علامة الاستفهام حول «عدم العلم» المتذرَّع به دوماً. وعلى سبيل المثال، قصد عناصر من الكتيبة الفنلندية مدينة النبطية، بذريعة التسوق، من دون مواكبة أو تنسيق مع الجيش. «التنزه» بكامل العتاد والأسلحة في متنزهات الليطاني التي تقع خارج قطاع جنوبي الليطاني مع احتساء القهوة والعودة الى مرجعيون أمرٌ كرره مرات عدة عناصر من فريق المراقبين الدوليين والكتيبة الصربية. تجاوز منطقة العمليات «غير المعلوم» بالنسبة إلى عناصر اليونيفيل تكرر أيضاً مع الكتيبة الغانية التي دأب أفرادها على الدخول الى مخيم البص في صور بعد تجاوز سواتر ترابية بطريقة أشبه بالتسلسل.
مصادر أمنية رسمية لفتت الى أن هذا التجاوز لا يتوقف على البر، بل يشمل البحر، على غرار ما حصل مع السفينة الحربية الأندونيسية bung tomo التي تخطت الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية لتصل إلى مسافة تقارب 0.25 ميلاً بحرياً جنوبي خط الحدود قبل عودتها الى داخل المياه الإقليمية اللبنانية.

الكيل بمكيالين
أمام كل ذلك، يبقى الموضوع الأبرز في أداء اليونيفيل هو طريقة التعامل مع كل من لبنان والعدو الإسرائيلي. يبدأ الكيل بمكيالين من تسجيل الخروق ونوعها، حيث يعتبر تفجير عدلون 2014 مثلاً أو اكتشاف منظومات تجسس إسرائيلية أو عشرات الطلعات الجوية لطائرات مسيرة أو طائرات حربية خرقاً للقرار 1701. في المقابل، يعتبر نزول صاحب بستان لقطف ثماره في حال تجاوزه بالخطأ الخط الأزرق أو منطقة التحفظ خرقاً أيضاً. وكذلك في حال دخول ماشية أحد الرعاة مناطق متحفّظاً عليها.
«اليونيفيل» تصرف النظر عن عشرات أنظمة المراقبة والتجسس الموجهة نحو الأراضي اللبنانية على طول الحدود، فيما يتابع جنودها بدقة أي مواطن لبناني، ولو كان مراهقاً، يلتقط الصور في منطقة عملهم، فضلاً عن التصاق القبعات الزرق دوماً بأبراج المراقبة العائدة للجيش اللبناني، رغم أن عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، ولا تتمتع بالمزايا التقنية التي تتمتع بها أبراج العدو الإسرائيلي.
بشكل شبه يومي، يصل المزارعون الإسرائيليون والسياح الى الحدود اللبنانية وعلى امتدادها. وعوض تسجيل ذلك كخرق أو منعهم من الاقتراب من الحدود، فإن بعض جنود اليونيفيل كانوا يفتحون معهم الأحاديث على مرأى من أهالي البلدات اللبنانية. في المقابل، فإن المزارعين على الطرف اللبناني عرضة دائمة للتضييق من قبل القوات الدولية.
على مستوى البحر، فإن اليونيفيل تتابع بشكل تفصيلي نشاط الصيادين اللبنانيين وعلى بعد كيلومترات من الحدود البحرية، وتعتبر بعض أنشطتهم خرقاً لـ 1701 (لا علاقة لهذا التفصيل أصلاً بالقرار الأممي)، فيما كل الخروق البحرية الإسرائيلية الثابتة في ما يعرف بـ«خط الطفافات»، وحتى الخروق المتحركة، لم تكن محل عناية من قبل القوات الدولية لا من قريب ولا من بعيد.
الأدلة على الكيل بمكيالين قد تطول. وقد تُسمع من أهالي القرى الجنوبية والبلديات والمصادر الأمنية عشرات الشهادات الصادمة تبدأ من عدم توثيق الخروقات وتجاوزات جيش العدو في بعض الأحيان، ولا تنتهي بحمل البضائع الإسرائيلية من الأراضي المحتلة الى الأراضي اللبنانية!