التعابير نفسها تكررت في ذكرى اغتيال الرئيس بشير الجميّل قبل أيام، وفي مقابلة صحافية مع رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل قبل أشهر، وفي مواقف وتصريحات قبل سنة واثنتين وثلاث: «المشاركة بالمحاصصة مقابل كراس من كرتون والتخلي عن القضية (…) الاستسلام لحزب الله والتلطي خلف صورة بشير». في المرة الأخيرة، لم يسمِّ الجميّل القوات اللبنانية أسوة بالمرات السابقة، لكن القوات تلقفت الرسالة، ففتح بازار الردود والردود المضادة بين نواب الفريقين ومسؤوليهم.يتخطى الأمر الخلاف السياسي التقليدي، نظراً للموروثات التاريخية التي تحكم علاقة الطرفين اللذين يحملان الأفكار السياسية نفسها، ومحاولات القوات الدائمة لتذويب الكتائب فيها من منطلق تلاقي القواعد. إلا أن اتفاق ورقة النوايا بين التيار الوطني الحر والقوات، كان مناسبة لتأكيد الكتائب تمايزه وحفظ جمهوره. تبع ذلك، التسوية الرئاسية بانتخاب ميشال عون رئيساً مقابل مناصفة القوات للتيار في الحكومة والتعيينات. أخلّ التيار بالاتفاق، فانتقل القواتيون إلى صفوف المعارضة من داخل الحكومة.

يرى الكتائبيون أن القوات تخلت عن حلفائها وأغلقت بيوتاتهم السياسية (هيثم الموسوي)

عندما ينتقد سامي الجميّل كل هذا، متحدثاً عن «المحاصصة وبيع الدولة والقضية، يقابل بشتائم من نواب القوات لأنهم عاجزون عن إنكار ما اقترفوه»، يقول أحد المسؤولين الكتائبيين. ولأن رئيس حزب القوات «يعيش فشلاً سياسياً وتكتيكياً، وليس باستطاعته التهجم على التيار العوني أو تيار المستقبل طمعاً بالتعيينات المقبلة، يختار الجهة التي لا تلحق به أذى في المكتسبات». يؤكد المسؤول نفسه أن «كل خطاب سامي بُني على وقائع. فالرجل الذي اقترع له الكتائب وبطرس حرب وفارس سعيد ودوري شمعون وغيرهم لرئاسة الجمهورية، نقل بارودته بين ليلة وضحاها، عاقداً تسوية مصالح مع التيار الوطني الحر. خاض الانتخابات البلدية على أساس هذا الحلف، وألغى بالمفرق كل حلفائه، مساهماً في إغلاق بيوتاتهم السياسية. كان على وشك تحقيق حلمه بالإبقاء على قانون الستين لإكمال عملية الإلغاء لولا فرض حزب الله قانون النسبية. لاحقاً، تحرر جبران باسيل من الاتفاق، وعاد جعجع لينقل بارودته مرة أخرى وكأن شيئاً لم يكن. يريد أن نصدق معارضته وهجاءه لميشال عون، وهو الذي قال سابقاً إن القوات لن تكون كغيرها وتدخل الحكومة تحت شعار المعارضة من الداخل. فيما عمل منذ 3 سنوات، باسم التسوية وأوعا خيّك والـ86%، على حرق كل من يقف في طريقه. ننتقده على هذا الأداء فيثور جنون حرّاسه. هذه هي السبعة وذمتها التي تحدث عنها الجميّل في خطابه». للسخرية، يضيف أحد الكتائبيين: «ينظم يوم بشير بعد غياب 37 عاماً للتلطي خلفه بعد أن خسر سياسياً وشعبياً؛ حتى جمهوره وقف يصرخ بطريقة سلبية عندما أتى جعجع على ذكر انتخابه للرئيس عون».
جبور: القوات لا تعتبر الكتائب خصماً، لكن لن تقبل بتضليل الوقائع


على المقلب القواتي، اتخذ قرار بعدم الردّ على سامي. التعليق الذي نشره النائب فادي سعد وكرّت بعده التعليقات القواتية، «لم يكن بقرار رسمي». فالقوات، على ما يقول رئيس جهاز الإعلام والتواصل شارل جبور، «تجد نفسها في موقع ردّ الفعل، لا الفعل، ولا تريد الاشتباك». لكن، في كل مرة، «يعيد الجميل الكلام نفسه حول استسلامنا، مورداً وقائع من وجهة نظره بعيداً من الحقيقة، في الوقت الذي يفترض التركيز فيه على ما يجمعنا، وهو أكثر من الخلافات». رغم ذلك، «القوات لا تعتبر الكتائب خصماً، لكن لن تقبل أيضاً بهذا الهجوم وهذا الكمّ من التضليل، في حين كنا رأس حربة الفريق السيادي في كل الخيارات التي أخذناها». هل هناك علاقة بين القوات والكتائب على مستوى القيادات أو الكوادر في الوقت الحالي؟ «لا علاقة بيننا. منذ عام بادرت النائبة ستريدا جعجع إلى دعوة النائب الجميل إلى العشاء. كانت مناسبة لتوطيد العلاقات، لكن لم يُستفَد منها».
في نظر الكتائب اليوم، لا إمكانية لأيِّ تلاقٍ أو تحالف مع القوات. فالتباعد سببه «الخلاف على التسوية التي نعتبرها رهاناً خاطئاً»، وفقاً لنائب رئيس الكتائب سليم الصايغ. أما النائب الياس حنكش، فيشير في حديثه لـ «الأخبار» إلى أن المشكلة في فعل الشيء ونقيضه ثم التبرؤ منه: «على كل طرف أن يتحمل مسؤولية أخطائه... والرأي الآخر. نحن لا نقترب ونبتعد بحسب المواسم أو نهمّش الباقين للفوز بالمحاصصة، ولو كلفنا ذلك خسارة سياسية. لكن هم، يوصلوننا إلى حرب أهلية عندما يختلفون ثم ينتقلون إلى شهر عسل في زمن التعيينات. ويبدو أن شهر العسل قد بدأ وكلام الحريري أول من أمس بأن القوات ستنال حصة في التعيينات المقبلة يشي بذلك».