من بوابة تنفيذ خطة الكهرباء، التي أقرت في 8 نيسان 2019، ولا سيما ما يتعلق بـ«تفعيل العمل بمشروع مقدمي الخدمات وتفعيل استقلالية عمل هذه الشركات»، تعكف وزارة الطاقة منذ أشهر على حثّ شركة كهرباء لبنان على توقيع مذكرة تفاهم ثالثة مع مقدمي الخدمات. ذلك كان سبباً كافياً لقلق موظفي المؤسسة، العاملين في دائرة التوزيع تحديداً، وهم يشكّلون نحو ثلثي عدد موظفي المؤسسة.نقابة العمال أصدرت بياناً تحذيرياً، رفضت فيه زيادة صلاحيات شركات مقدمي الخدمات على حسابهم وحساب وظائفهم. واعتبرت في البيان، الصادر في 5 آب 2019، أنها «غير معنية بأي إجراء يتخذ بهذا الخصوص، ولها الحق في اتخاذ ما تراه مناسباً، وفي الوقت المناسب، ولمصلحة المؤسسة وعمالها».
ذلك البيان كان رداً على سلسلة من الخطوات التي بدأت تنفذها الوزارة لنقل صلاحيات المؤسسة إلى مقدمي الخدمات، ودائماً تحت عنوان «تفعيل الاستقلالية».
المبرر المباشر للوزارة هو حاجتها إلى أن يكون هنالك جهة واحدة مسؤولة عن التوزيع وليس كما هو الحال حالياً، حيث تتقاسم كهرباء لبنان ومقدمو الخدمات الأربعة (Butec وKVA وMrad وn.e.u) تلك المسؤولية، مع ما يعنيه ذلك من تداخل في الصلاحيات والمسؤوليات، التي تساهم أحياناً في عرقلة تنفيذ الأعمال.
لذلك، تعمل الوزارة حالياً على الدفع باتجاه نقل معظم الأعمال الباقية من ضمن صلاحيات المؤسسة إلى الشركات، أما أبرز هذه الصلاحيات، فهي:
الفوترة: يتطلب ذلك إلغاء القيمة النقدية للفاتورة. ففاتورة الكهرباء هي بمثابة شيك له قيمة نقدية بمجرد إصداره، بخلاف فواتير الاتصالات، على سبيل المثال، التي تعتبر بمثابة إيصال يؤكد عملية الدفع. وبالتالي، إن تعديل آلية الجباية ونقل صناديق القبض إلى الشركات يحتاج إلى قانون أيضاً. كما تشوبه إشكالية مرتبطة بكيفية مراقبة عمل الشركات، والتأكد من حجم الإصدارات.
نزع التعديات: حالياً، تنص الآلية على أن يقوم المُلاحظ (تسمية تعود إلى فترة الانتداب، وتعني المفتش)، الذي ينتمي إلى ملاك مؤسسة كهرباء لبنان، بالتفتيش عن المخالفات وتسجيلها، على أن يعود لاحقاً فريق نزع التعديات، الذي يضم ممثلاً عن الشركة مقدمة الخدمات والملاحظ، مع مؤازرة أمنية، لنزع التعدي. المعضلة أن المُلاحِظ موظف محلّف في الإدارة يحق له تسطير محضر ضبط، بخلاف موظفي الشركات. علماً أن هذا الموضوع كان محور استشارة لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، خلصت إلى عدم جواز قيام موظفين في القطاع الخاص بهذه المهمة، وبالتالي عدم إمكانية السماح بنقل هذه المهمة إلى الشركات، إلا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب.
المتأخرات: هذا الملف متشعّب جداً، لكنه قد يؤدي إلى زيادة معدل المقبوضات للمؤسسة. فمنطقة صغيرة، على سبيل المثال، تبلغ قيمة المتأخرات فيها نحو 50 مليون دولار.
خدمة الزبائن: التبليغ عن الأعطال أو الأعمال المطلوبة وتنفيذها من العودة إلى كهرباء لبنان، التي سيقتصر دورها على الرقابة والموافقة بعد التنفيذ.
إدارة اشتراكات المؤسسات والإدارات العامة: مكننة هذه العملية لتجنّب خسارة أي معطيات، وبما يؤدي إلى جعل سجلات القطاع العام يومية، للوصول إلى قراءات دقيقة وتصحيح فواتير المؤسسات والإدارات العامة، وصولاً إلى إصدارها بالشكل المطلوب.
كذلك تنص مسودة مذكرة التفاهم المعدلة على «تيويم» قاعدة بيانات الزبائن قبل البدء بتركيب العدّادات الذكية (اسم المشترك، حالة الاشتراك...) والإيعاز إلى شركات مقدمي الخدمات بالاهتمام بإدخال المعلومات وتأمين الدعم اللازم. كذلك تشير إلى إصدار مجموعة من مؤشرات الأداء تتعلق بتركيب العدادات الذكية وإعادة توزيع مؤشرات الأداء بالتوافق مع شركات مقدمي الخدمات.
حتى اليوم، لم تُوقّع المذكرة. معارضتها متعددة الجهات، تبدأ من إدارة مؤسسة كهرباء لبنان التي لا تعترض على مبدأ توسيع صلاحيات الشركات، لكنها تسعى إلى أن تكون هذه الخطوة متناغمة مع مصلحة المؤسسة ومصلحة موظفيها الخائفين على وظائفهم، وتمتد إلى الشركات نفسها، حيث تبين خلال الاجتماعات المكثفة، التي كانت تُعقد في وزارة الطاقة أن الشركات ليست كلّها مرحّبة بالفكرة. أولاً لأن الوزارة رفضت، بداية، أن تقترن زيادة الصلاحيات بأي زيادة في كلفة الأعمال، وثانياً لأن من بين الشركات من لا يتحمس للتحرر تماماً من رقابة المؤسسة. فهذه الرقابة، إضافة إلى بعض الموافقات المسبقة، تؤدي عملياً إلى تخفيف المسؤولية عن كاهلها، فمن يوقّع أمر العمل يتحمّل المسؤولية.
إشكاليات قانونية تمنع تحمّل مقدمي الخدمات مسؤولية الفوترة ونزع التعديات


الأكيد أن التفاوض مستمر، وقد أرسلت شركتا KVA وn.e.u كتاباً إلى كهرباء لبنان، في 30 آب الماضي، يتضمن ملاحظاتهما على البنود المعروضة، واقتراحات إضافية. وأكثر من المعلن، يتبين أن في الشركات من لا يبدو متحمساً للخصخصة المواربة، انطلاقاً من أن زيادة الصلاحيات والمهمات لا تكفي لتحميل الشركات مسؤولية كل ما يجري في قطاع التوزيع، فمن أراد خصخصة التوزيع، ليس عليه سوى أن يعلن ذلك صراحة ويذهب إلى مجلس النواب للحصول على قانون شبيه بالقانون الذي كرّس حق كهرباء زحلة بتوزيع الطاقة. أي إن المطلوب عندها أن تحاسب المؤسسة الشركات على أساس الكيلوواط / ساعة، مع وضع مؤشرات أداء واضحة، بدلاً من تحميل المسؤولية للشركات دون قواعد واضحة، خاصة في ظل التعقيدات الموجودة حالياً، وأبرزها:
- وجود ما يزيد على 100 ألف طلب تركيب ساعة، مقابل امتلاك المؤسسة لما لا يزيد على 20 ألف عداد، ما يؤدي إلى تعليق كل الطلبات إلى حين تأمين المؤسسة للعدادات. وهو ما يعني تمديد السماح لمقدمي الطلبات بـ«التعليق» على خطوط الكهرباء، خلافاً للقانون.
- الاستنسابية في نزع المخالفات، وهي عملية تخضع لعوامل عديدة، أبرزها الوساطة والرشى.
- عدم وجود آلية واضحة لتحصيل المتأخرات.

بستاني تدعو «كهرباء لبنان» إلى الإسراع في توقيع مذكرات التفاهم مع مقدمي الخدمات


- التأخر في تلبية أعمال تركيب المحطات، والاستنسابية في تركيبها، أيضاً حيث تدخل عوامل سياسية ومالية عديدة.
اللافت أنه بعدما كان الموضوع على نار حامية، توقفت، منذ نحو أسبوعين، الاجتماعات التي كانت تُعقد بين كل الأطراف المعنية بمسألة تعديل مذكرة التفاهم، من دون تحديد الأسباب. لكن وزيرة الطاقة ندى بستاني، راسلت المؤسسة في 5 أيلول الحالي، معيدة التذكير بمقررات مجلس الوزراء لناحية خفض الهدر غير الفني، لتطلب بعد ذلك «اتخاذ كافة الإجراءات لتقديم اقتراحات تعديل القوانين من أجل تفعيل العمل بمشروع مقدمي خدمات التوزيع، خصوصاً في عمل الملاحظة، خدمة الزبائن والمتأخرات، والمشاريع الاستثمارية وتركيب الشبكة الذكية».
في المحصلة، طالبت بستاني بالإسراع في توقيع مذكرات التفاهم مع شركات مقدمي الخدمات، بما يسمح بتفعيل العمل بالمشروع وباستقلالية، مع تحميلها مسؤولية كاملة للوصول إلى الأهداف التي وضعت في خطة الكهرباء المحدثة. وطلبت من «كهرباء لبنان» إفادتها «بالنتائج التي تحققت لغاية اليوم على صعيد التوزيع عامة، وخصوصاً تحسين الجباية والمتأخرات وتخفيف الهدر وزيادة عدد الاشتراكات الجديدة وكافة المعلومات».
بحسب متابعين للملف، الوزارة ليست متحمسة لتعديلات إضافية في مضمون المذكرة، وهي لن تقبل المزيد من التأخير قبل توقيعها. وإذا كانت ترى أن الإدارة الحالية لمؤسسة كهرباء لبنان تؤخر التوقيع، فإن مجلس الإدارة الجديد، الذي أعلنت وزيرة الطاقة أن تعيينه بات قريباً جداً، سيتكفل بالمهمة.