عقدت اللجان النيابية المشتركة أمس جلسة لدراسة اقتراح جديد لانتخاب أعضاء المجلس النيابي، قدّمته كتلة «التنمية والتحرير». الاقتراح في جوهره يقوم على ثلاث نقاط أساسية معدّلة عن القانون الحالي الذي أجريت وفقه الانتخابات النيابية الأخيرة: اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية، الكوتا النسائية، إلغاء الصوت التفضيلي واستبداله بما يُسمّى الترتيب المُسبَق. ثلاث نقاط خلافية يدور حولها النقاش.صحيح أن لا كلام يعلو فوقَ كلام الأزمة الاقتصادية والمالية هذه الأيام، إلا أن الحماوة الانتخابية لا تزال حاضرة في أذهان القوى السياسية. بعض الكُتل النيابية تستشرس في الدفاع عن القانون الحالي (تحديداً القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) فيما يؤيّد حزب الله بعض النقاط ويرفض أخرى. «الاشتراكي» عادة «بيحلّها مع الرئيس نبيه بري»، أما تيار «المُستقبل» فالغائب الأكبر، حضوراً ووزناً، يأتي نوابه الى الجلسة ثم يلتزمون الصمت!
الجلسة التي انعقدت أمس لاستكمال البحث في اقتراح القانون، انسحب منها نواب «القوات» قبل انتهائها. معراب تتمسّك بالقانون الحالي لأنه «يؤمّن صحّة التمثيل». الموقف نفسه يتبناه التيار الوطني الحر الذي يُصر على تقسيم الدوائر كما في القانون الحالي. المكتوب يُقرأ من عنوانه، رغم أن الكتل لم تدخل بعد في تفاصيل الاقتراح، وفقَ ما يؤكّد أكثر من نائب حضر الجلسة. ففيما انسحبت القوات، يرى التيار الوطني أن «لا إمكانية لإعادة النظر في القانون القائم»، لأن من «أهم إنجازاته تصحيح التمثيل عند كل المكوّنات، وإذا كان لا بدّ من تعديلات فعلينا أن نقدم أفكاراً تطويرية لا العكس». أما الترتيب المُسبق للمرشحين في اللوائح، فلا يؤيده التيار «لصعوبة الاتفاق عليه داخل الحزب أو التيار الواحد، فكيف إذاً بينَ الحلفاء، في حال تأليف لوائح مشتركة، فهل يُمكن أن نُقنع مرشحَين من تيار واحد أن اسم أحدهما سيسبق الآخر؟ وإن كان الصوت التفضيلي الذي فرضه القانون الحالي، صعّب مهمة المقترعين والمرشحين، لكنه خلط الحسابات كلها وأظهر الحجم الحقيقي لكل طرف داخل بيئته»، ولذا «نعتبره سلاحاً قوياً لا يُمكن التراجع عنه». وقد عبّر النائب الان عون عن هذا الموقف بتغريدة له على «تويتر» بالقول: «لا يجب أن يشكّل أي طرح جديد لقانون الانتخابات نكسة لما أنجز على صحّة تمثيل كل المكوّنات اللبنانية والذي يبقى الخط الأحمر الوحيد بالنسبة إلى تكتل لبنان القوي مع الانفتاح على نقاش أي تحسينات تحت هذا السقف». وداخل الجلسة، قال عون ما معناه إن هذا «الاقتراح ينسف أسس الكيان بسبب سماحه بالطغيان العددي»، ربطاً بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة.
وفيما اعتبر الرئيس نبيه بري أمس أن «الاقتراح كامل متكامل وقابل للنقاش بكل محتوياته وأن القانون الحالي هو ميني أرثوذكسي ونعيش تردداته السلبية»، يُصر حزب الله على عدم إبداء رأي نهائي بشأن الاقتراح «فالنقاش يحصل بشكل عام، يتعلق أولاً بالميثاقية». لا شكّ أن «الحزب هو من أول المؤيدين لفكرة الدائرة الواحدة، وكان أول المطالبين بها منذ سنوات»، لكنه وبحسب مصادره «لا يبتّ بهذا الأمر وحده، فكما في كل الملفات الكبيرة، سيكون هناك حوار ثنائي بينه وبين حركة أمل بمعزل عن جلسات اللجان، للوصول إلى قواسم مشتركة ومن بعدها الخروج بموقف موحّد».
تيار «المُستقبل» الغائب الأكبر: يحضر نوابه الجلسة ويلتزمون الصمت


المشكلة التي تجاهلها جميع المشاركين في الجلسة أمس هي أن القانون المقترح غير قابل للتطبيق، لجهة احتساب الفائزين بالانتخابات. فإلغاء الصوت التفضيلي لم يُستبدَل بآلية أخرى لاختيار الفائزين، باستثناء «فكرة عامة» عن «الترتيب الأفقي» للوائح. وهذه «الفكرة العامة» لا تعالج معضلات تطبيقية قد تواجه المسؤولين عن إعلان أسماء الفائزين، كأن تتشكّل 10 لوائح في الانتخابات، وأن يجري ترتيب الأسماء في اللوائح جميعها مع اختيار مرشح درزي، على سبيل المثال، رئيساً لكل لائحة. وإذا حصلت كل واحدة من اللوائح على نسبة تخوّلها الفوز بمقعد على الأقل، يفرض «الترتيب الأفقي» أن يفوز جميع رؤساء اللوائح، لكن العدد الأقصى للنواب الدروز في لبنان هو 8 نواب، ما يعني وجوب إيجاد آلية أخرى لاحتساب الفائزين.
ما تقدّم لا يمكن تفسيره سوى بأن بري، وبحسب مصادر نيابية، «اقترح القانون ليصيب به أمراً آخر. وهذا الأمر «الآخر» هو إما محاولة تحصيل تعديلات ما على قانون الانتخابات النافذ حالياً، وإما شأن متصل بالانتخابات الرئاسية لم يُفصح عنه رئيس المجلس».