عدوى (حميدة) أصابت الساكنين في غزير والبلدات المحيطة لها، لينتشروا في الشارع، تماماً كما قُطعت الطرقات البحرية والسريعة في زوق مصبح وساحل جونية وأدما والصفرا والعقيبة ونهر ابراهيم وجبيل وعمشيت… أغضبتهم الأخبار عن نيّة الحكومة فرض ضرائب جديدة، واستفزّهم مشهد التظاهرات في وسط العاصمة، حتى تكون لهم أيضاً مشاركتهم في «معركة استعادة الحقوق». بدأت القصّة، في غزير، من محادثة على تطبيق «واتسآب» بين عشرة شبّان، قبل أن ينضم إليهم مراهقون وطلاب جامعات وأهالٍ ورجال أعمال ومتقاعدون… يُخبر أحد الذين بدأوا بالحراك كيف «خَدَع» أصدقاءه عندما قال لهم بأنّ الطريق أُقفلت أمام الملعب البلدي في جونية، «لأحثهم على النزول». أتوا بشاحنة مليئة بالإطارات، «وما زلنا منذ التاسعة ليل الأحد في الشارع، ولن نخرج قبل إسقاط الحكومة». يقول الرجل إنّه ينتمي إلى القوات اللبنانية، «ولكنّ التحرّك غير مُسيّس. كلّ الأعلام هنا للبنان». لماذا التحرّك؟ «اكتفينا من دفع الأموال، عيشناهم كتير قبل، صار وقت هنّي يدفعوا كرمالنا. ما رح ندفع لا ميكانيك ولا ضبط ولا شي، هالـ100 ألف يللي بدّن ياخدوها ولادنا أحقّ فيها». أيضاً، هي المرّة الأولى «التي أدعو فيها لتظاهرة، لأنّ المطالب مسّتنا جميعاً». قليلة كانت أعداد العناصر الأمنية الموجودة. لحظات ويمرّ موكب لمغاوير البحر في الجيش اللبناني، «يعطيكم العافية»، توجّه أحد العناصر للناس.
البعض نصبَ خيمةً واعداً بعدم إزالتها إلا بعد إسقاط الحكومة
هتف المعتصمون ضدّ «14 و8… عملو البلد دكّانة»، وكان الاتجاه لأن تكون الصرخة الاعتراضية شاملة، فـ«كلّن قرطة حرامية». ولكن وُجد من يهتف ضدّ العهد والوزير جبران باسيل، مُطالبين إياه بالرحيل. للأخير مُناصرون في الشارع أيضاً. «أنا عونية، مع ميشال عون وجبران باسيل، ونازلة مع حالي وحقوقي مش ضدّن»، تقول شابة. إلى جانبها رجلٌ، يُخالفها التوجه السياسي، ولا يريد إسقاط الحكومة «فليس هذا الحلّ». غالباً ما يُشارك في التحركات الشعبية، هو المُتألّم من «عدم وجود ضمان صحي ونظام تقاعد مُنصف. اسألي مصاري الضمان من سرقها وأصبح اليوم في الحكومة؟».
الغلبة في غزير كانت للجيل الجديد، طلّاب الجامعات تحديداً. رقصوا، عزفوا على الطبلة، ورفضوا العودة إلى بيوتهم. تقول إحداهنّ إنها «بتعلّم بالجامعة اللبنانية، وهونيك كارثة تانية، ورغم انو بعدني باخد مصروفي من بيّي بس حاسة خلص عم نختنق. كتير هيك وقاحة الدولة بالضرائب». أما رومي، فتستغرب سؤالها عن سبب مشاركتها في الاعتصام، «ما في شغل، البحر ملوث، القدرة الاستهلاكية عم تنخفض كتير، كل شي غالي». وتوضح فتاة في الـ19 من عمرها أنّ «قصة الواتسآب كانت حبّة الكرز على قالب الحلوى (تقولها بالفرنسية)، ولكن الأساس أنّنا لا نملك شيئاً». ما المطلوب؟ بحسب فادي، «حكومة اختصاصيين، لأنّ السلطة الحالية فاسدة وفاشلة. معقول أنّ ٧ أشخاص لديهم ثروات بمليارات الدولارات ولم يتمّ إيقاف أي منهم لاستعادة الأموال؟».