في الليلة الأولى مِن التظاهرات، سمعنا عن شابين سوريين قضيا في حريق أحد الأبنية في بيروت، في ساحة الشهداء تحديداً، لكن لم يحصل أن عرفنا أكثر عنهما. كيف قضيا، وقبل ذلك، ما اسماهما؟ إبراهيم موسى المحمود، هذا اسم الأول، وهو مِن مواليد عام 1981. أمّا الثاني، فاسمه إبراهيم عبد الحميد، مِن مواليد عام 1995. هما ناطوران في ذلك المبنى الذي اشتعل، وهو لا يزال قيد البناء، بفعل إضرام النيران في أسفله مِن قبل المتظاهرين الغاضبين. لم يكن أحد يعرف أنّهما في المبنى. لم يكن القتل عمداً. كانا مع شخصين آخرين، واحد سوري أيضاً والرابع لبناني، كلّهم يعملون هناك، يجلسون عند مدخل المبنى عندما انطلقت التظاهرات. خاف إبراهيم، صعد إلى الطبقة الأولى حيث ينام، ولحقه إبراهيم الثاني. لم يسمع أحد مِن المتظاهرين صوتهما. الصخب هناك في تلك الليلة كان هائلاً. أصيبا بحروق مِن الدرجة الثانية، ولكن النار لم تكن سبب الوفاة، بل الاختناق (بحسب ما يذكر مسؤول أمني لـ«الأخبار» إضافة ما إلى قاله عاملون في الدفاع المدني). تسلّم ذووهما جثّتيهما. إذاً، لا يُمكن القول بعد ذلك إنّ التظاهرات ليس فيها ضحايا بعد. المحمود وعبد الحميد تركا بلدهما، ويعرف الجميع أحوال البلد الذي جاءا مِنه، للعمل هنا، فحصل أن قضيا بفعل نار أضرمها متعبون مقهورون محطّمون. هذه مشهديّة غريبة.في مشهد آخر، سُجّل سقوط قتيل آخر، أمس، عند طريق المطار. هذه المرّة ليس اختناقاً، بل بالرصاص، إنّما ليس مِن الجيش أو القوى الأمنية، بل مِن شخص «عادي» مثله. فارق حسين العطار الحياة صباح أمس. القاتل والقتيل كانا في احتجاج عند طريق المطار. الطريق مقطوعة، والهتافات شغّالة، ولكن حصل أن اعترض العطار (بحسب شهود عيان) على محاولة الثاني أخذ أموال لحسابه الخاص مِن الذين «يساعدهم» على العبور نحو المطار. ينشط «سوق» نقل الناس هناك بالدراجات الناريّة مقابل بدل مالي. حركة الطائرات في مطار بيروت لم تتوقّف. الوصول إلى المطار خلال الأيّام الماضية كان صعباً جداً. على هذه الخلفيّة، حصل الصدام. هذه أضرار جانبيّة؟ هناك مَن ينظر إليها على هذا النحو، لكن أليس هذا مِن نتاج أفعال مَن أوصلوا «الحياة» في لبنان إلى هذه الحالة؟ علينا أن نحفظ ذلك، وأن نُحاكم «كبار القتلة» عندنا، إن لم يكن أمام المحاكم... فأقلّه أمام الذاكرة.