بين لافتات المطالب والرايات اللبنانية، جهز المتظاهرون عند دوار كفررمان العصيّ والحجارة لصدّ أيّ هجوم عليهم، على غرار ما حصل أول من أمس في النبطية. جالت عليهم سيدة متّشحة بالسواد، محاولة انتزاع العصيّ. «هودي مش يهود»، صرخت. خبأت غضبها في صدرها الذي تدلّت فوقه صورة لشاب. إنه ابنها البكر علي الذي استشهد عام 1987 ضمن عملية لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في موقع الطهرة المقابل لبلدته كفررمان، وانتظرت 17 عاماً لاستعادة رفاته من العدو الإسرائيلي في عملية تبادل لحزب الله. تداوم أم علي وزوجها في الخيمة منذ اليوم الأول للاعتصام. «نحن فلاحون، إذا اشتغلنا مناكل. مع ذلك، منصبر على حالنا لنحقق المطالب اللي تحرّكنا كرمالها». لا مشكلة لديها في قطع الطرقات. «نحن نضغط على السلطة بتظاهرة سلمية»، قالت. تنظر إلى مندوبي وسائل الإعلام الذين توافدوا لتغطية اعتصامَي النبطية وكفررمان المتجاورين بعد التعرض للأول من قبل شرطة البلدية ومناصرين لحزب الله أول من أمس. «منيح هذا الصيت. كل الناس تحدثت عنا؟ كلنا أهلية بمحلية نجلس بسلمية. لماذا نضرب؟»، تساءلت. تجزم السيدة بأن أحداً لم يشتم قيادات الحزب وحركة أمل. «السيد فوق رؤوسنا. هل نرضى بأن يُشتَم بوجودنا ونحن أهل المقاومة؟». توقن أم علي بأن مشكلة الأحزاب المحلية «أن الناس ترقص وتغني وتدبك. كل واحد على دينو الله يعينو». زمزم أبو زيد بدت أكثر غضباً. والدة الشهيد محمد قانصوه الذي سقط عام 1990 في محور الطيبة ــــ القنطرة واستعادت جثمانه بعد 12 عاماً، ناقمة على أبناء جلدتها الذين يتهجّمون على الحراك الشعبي. «في حال تحقّق المطالب، ستعم فائدتها على المعارضين وعلى الموالين». أم محمد التي دمر العدو منزلها المقابل لموقع الطهرة، تأسف من أداء الحزب وأمل في الإنماء والبلديات. أكثر ما آلمها، تحويل موقعَي الدبشة والطهرة اللذين كانا مواقع للعدو، وسالت دماء الشهداء لتحريرهما، إلى مكبات للنفايات. في البلدة الملقّبة بـ«كفرموسكو»، نسبة إلى تجذّر الشيوعيين فيها، بات اعتصام المستديرة أمراً واقعاً. ويستعدّ المنظمون لتشكيل لجنة لتحديد المطالب ووضع خطة تحرك تصعيدية.
يستعدّ المنظّمون لتشكيل لجنة لتحديد المطالب ووضع خطّة تحرك تصعيديّة

في تداعيات اعتداء النبطية، حظي المتظاهرون أمس بتضامن شعبي ومناطقي بعد تعرضهم لاعتداء من مناصرين لحزب الله وعناصر من شرطة بلدية النبطية، في محاولة لفض اعتصامهم أمام السرايا وفتح الطريق المقفل في الشارع الرئيسي للمدينة. بعض التضامن وصلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وبعضه حلّ بينهم عبر ناشطين وشبان تنادوا إلى المدينة. لكن رموز التظاهرات كانوا متنبهين إلى أن الاعتداء الذي تورط فيه بعض المحسوبين على الحزب، فتح شهية خصومه وخصوم سلاح المقاومة للتصويب عليه. مع ذلك، ترك الاعتداء ندبة في نفوس أبناء المدينة والجوار. وينوي عدد من المعتدى عليهم التقدم بشكاوى ضد الذين ضربوهم. فيما لا يزال علي الهادي نور الدين يواصل علاجه في المستشفى من ضربة تلقّاها على رأسه بآلة حادة. أجواء الغضب والصدمة التي خيمت على المدينة فرضت تحدياً في نفوس المتظاهرين للنزول بكثافة أمس إلى المكان نفسه. فيما استقال أربعة من أعضاء بلدية النبطية لأن «كرامة أهل النبطية ــــ شعب المقاومة، لا تسمح لي بالاستمرار»، بحسب بيان أحد المستقيلين عباس وهبي. وبعد الانتقادات التي طاولتها، أصدرت البلدية بياناً أعلنت فيه «تأييدها للحراك الشعبي، مع التأكيد على عدم إقفال أي شارع لما يشكله من ضرر على الحركة التجارية والتأكيد على مسؤولية الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لتحمل المسؤولية واتخاذ التدابير اللازمة». إمام النبطية الشيخ عبد الحسين صادق، الذي استنكر الاعتداء، رعى لقاءً بين وفد من المتظاهرين وأعضاء في البلدية وممثلين عن التجار توافقوا خلاله على فتح مسلك واحد للسيارات بمحاذاة التجمع. ومن المنتظر أن ينصب المتظاهرون خيمة ضخمة تقيهم من المطر المقبل.
وفي الإطار نفسه، استقال عضوان في مجلس بلدية النبطية الفوقا، أحدهما أصيب خلال الاعتداء على المتظاهرين.