هي المرة الثانية التي يضع فيها رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته بين يدَي الرئيس ميشال عون (المرة الأولى، كانت حين أُجبر على تلاوة استقالته من الرياض، في تشرين الثاني 2017). توجّه بعد ظهر اليوم إلى بعبدا، وسلّم كتاب الاستقالة إلى عون، مُبرّراً أنّ خطوته أتت «نظراً للتحديات الداخلية التي تواجه البلاد ولقناعتي بضرورة إحداث صدمة إيجابية وتأليف حكومة جديدة تكون قادرة على مواجهة التحديات والدفاع عن المصالح العليا للبنانيين». خرج الحريري من القصر الجمهوري من دون الإدلاء بتعليق، كذلك التزمت الرئاسة الأولى الصمت، ريثما ينتهي عون من دراسة الاستقالة وإصدار بيان بشأنها. إلا أنّ عدداً من السياسيين سارع إلى تسجيل موقفٍ ممّا حصل، قد يكون أبرزها سياسياً ما صرّح به نائب تكتل «لبنان القوي» نقولا الصحناوي للـ«LBCI» بأنّ «التسوية الرئاسية سقطت بحُكم الأحداث التي نعيشها». أكد نائب رئيس التيار الوطني الحر للشؤون السياسية السابق، أنّ حزبه ليس ضدّ الاستقالة، ولكن «نخشى أنّنا دخلنا في المجهول». فكما قال وزير الدفاع الياس بو صعب إنّ استقالة الحريري «كانت مفاجئة وأتت من دون التنسيق حول ما بعدها، وهو ما نعتبره خطأً وخطوة في المجهول في هذا الظرف الدقيق»، نافياً أن يكون أحد قد تفاوض مع رئاسة الجمهورية أو «التيار» حول صيَغ حكومية.
اعتبر نقولا الصحناوي أنّ «التسوية الرئاسية سقطت»

يبدو أنّ خطوة الحريري ستترك تبعاتها على العلاقة بينه وبين التيار الوطني الحرّ، وربما تنسحب توتراً سياسياً، فأكد رئيس مجلس النواب نبيه عبر الـ«NBN» أنّ ما يجري يتطلب «تهدئة فورية وحواراً بين المكونات اللبنانية». في كلّ الأحوال، الحريري «مرتاح أنني قدّمت شيئاً للشعب اللبناني... انشالله نخرج من هذا المأزق»، كما أعلن في أول تصريح له من بيت الوسط بعد الاستقالة، وأثناء استقباله وفوداً مُرحّبة بخطوته، التي برّرتها وزيرة الداخلية ريا الحسن بأنّها «ضرورية لمنع الانزلاق نحو الاقتتال الأهلي الذي شهدنا خطره اليوم في وسط بيروت». في حديث إلى قناة «الميادين»، اعتبر النائب أسامة سعد أنّه «ما زلنا في قلب الأزمة ويلزمنا حلّ سياسي لعبورها. الشباب اللبناني الغاضب يتطلع إلى دور في هذا البلد ولا بد من خطوات لاحقة وضرورية. هناك حقائق فرضت نفسها ولا يمكن تجاهلها، وعلى السلطة أن تُدرك هذه الحقائق والعمل على أساسها». وأوضح سعد أنّه يجب أن تُشكّل الحكومة الانتقالية من «الثوار في الشارع أو تحظى برضاهم، وتأخذ بعين الاعتبار المستجدات السياسية»، موضحاً أنّه «لا نستطيع أن نقول بحكومة تكنوقراط بمعزل عن السياسة».
استقالة الحريري أفرحت القوى التي كانت تُشكّل «14 آذار». بالنسبة إلى النائب السابق فارس سعيد، «سعد رفيق الحريري عاد إلى لبنان». من جهته، وصف النائب سامي الجميل الاستقالة بالقرار «التاريخي في ظرف تاريخي. إرادة الشعب اللبناني هي التي انتصرت. هذه بداية مسار التغيير الذي يستمر باحترام الدستور وإرادة الناس بتشكيل حكومة اختصاصيين وإجراء انتخابات مبكرة».
النائب السابق وليد جنبلاط حمّل التيار الوطني الحرّ المسؤولية لأنّه «تمسّك ببعض الأشخاص في الحكومة. وزارة الداخلية في عهد ميشال عون أصبحت وزارة داخلية وخارجية وطاقة وكلّ شيء»، مؤكداً أنّه «بعد أن حاولنا مع الحريري الوصول الى تسوية، فإنني أدعو مجدداً إلى الحوار والهدوء. لبنان كلّه يدفع الثمن». وأضاف أنّ إسقاط النظام «لا يكون بهذه الطريقة، وإنما عبر قانون انتخابي عصري ولبنان دائرة واحدة». أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فقال إنّ المهمّ «الذهاب نحو الخطوة الثانية والأساسية والفعلية المطلوبة للخروج من أزمتنا الحالية، بتشكيل حكومة جديدة من أخصائيين مشهود لهم بنظافة كفّهم واستقامتهم ونجاحهم، والأهم أخصائيين مستقلين تماماً عن القوى السياسية». رؤساء الحكومات السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام أصدروا بياناً جاء فيه أنّ «الرئيس الحريري استجاب لنداء معظم اللبنانيين، وحان الوقت ليتحمل الكلّ مسؤوليته تجاه حركة إنقاذية وطنية تُحافظ على السلم الأهلي وتقي لبنان الانهيارات».
من جهته، شدّد حزب الكتلة الوطنية اللبنانية على أنّ استقالة الحريري «هي الخطوة الأولى نحو الحل، على رئيس الجمهورية اختصار فترة تصريف الأعمال بأيام معدودة تُشكّل خلالها حكومة مستقلة من اختصاصيين. وعلى أحزاب السلطة أن تعي أن أي محاولة لها للعودة إلى الحكم في هذه الظروف ستنقلب عليها».
ردود الفعل الغربية بدأت تظهر حول استقالة الحريري، فاعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أنّ استقالة رئيس الحكومة «تُفاقم الأزمة الخطيرة جدّاً التي يمرّ بها البلد منذ 15 يوماً». كلام الوزير الفرنسي أتى أمام «الجمعية الوطنية» الفرنسية، فنقل دعوة فرنسا المسؤولين إلى «بذل كلّ الجهود لضمان استقرار المؤسسات ووحدة لبنان. لبنان بحاجة إلى التزام مجمل الطبقة السياسية بالتساؤل عن أدائها نفسه، والعمل على إيجاد جواب قوي للشعب، وفرنسا مٌصمّمة على مساعدتهم في هذا الخصوص». حذر «المجتمع الدولي»، عبّر عنه أيضاً وزير الخارجية الألماني ​هايكو ماس​، فأمل «أن لا تتسبب استقالة الحريري بتقويض الاستقرار في لبنان». وحثّ المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش السلطات «على العمل بحزم وبسرعة لتشكيل حكومة جديدة تلبي تطلعات الناس وقادرة على كسب ثقتهم».