قارورة ماء رميت باتجاه قوة «مكافحة الشغَب» المتمركزة قرب السرايا الحكومية، كانت كفيلة بتحويل ساحة رياض الصلح إلى ساعة معركة. في ثوان، تخلّى عناصر مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي عن وظيفة حماية المعتصمين، ليبدأوا بالاستعمال المفرط للعنف، فيجرحوا ويعتقلوا العشرات من دون أي مبرر. مكافحة الشغب تلك، التي تأتمر مباشرة بأوامر المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان الذي يقرر موعد استخدام القوة وقدر العنف، كانت قد ساهمت صباحاً في دعم مطالب المتظاهرين في إقفال الطرقات المؤدية إلى المجلس النيابي، رافضة فتح طريق ليتمكن النواب من الدخول عبره إلى البرلمان، ورافضة الالتزام بأي مطلب يتعلق باستعمال القوة أو الحزم لفتح أي طريق. كانت حجتها أمام من طالبها بتسهيل مرور النواب: لا أوامر. لكنها ليلاً، ومن دون أي مبرر مقنع، حتى بمنطق أهل السلطة، قرّرت تنفيذ هجوم قاس على العُزّل من المتظاهرين، كانت نتيجته 12 معتقلاً، نقلوا إلى ثكنة الحلو، إضافة إلى عدد من المصابين، الذين نقل بعضهم إلى المستشفيات. فقد كشف الدفاع المدني عن نقله «4 مصابين إلى مستشفى حداد الوردية ومصاب الى المقاصد وآخر الى مستشفى الروم كانوا قد تعرضوا لإصابات نتيجة الاشتباكات التي وقعت في رياض الصلح». كذلك نُقل جريح آخر إلى مستشفى كليمنصو، أصيب إصابة خطيرة في عينه، وطلبت له وحدات من الدم، فيما تكفّل الصليب الأحمر بإسعاف عدد من المصابين ميدانياً، علماً بأنه تردد ليلاً أن اثنين من المصابين بقيا في المستشفيات. ولم تُقرأ ازدواجية مكافحة الشغب إلا في إطار الدور السياسي الذي يقوم به عثمان، إلى جانب رئيس الحكومة سعد الحريري، في الأزمة المستمرة منذ شهر. فهو، عندما كان ذلك مناسباً له سياسياً، قدّم نموذجاً حضارياً في التعامل مع المتظاهرين، لكنه ليلاً، عندما تحقق هدف منع رئيس المجلس النيابي من عقد الهيئة العامة، ارتأى التعامل بهمجية مع هؤلاء. ونجح في ذلك، بحجة أن «مندسّاً»، على ما تردّد في رياض الصلح، رمى قارورة مياه باتجاه عناصر مكافحة الشغب!