لا تشبه التحديات التي تواجهنا، اليوم، ما واجهناه طوال ثلاثين عاماً. ومن الواضح أن الأيام المقبلة ستكشف أكثر عن تأثيرات الرقابة على رأس المال وإفلاس القطاع المصرفي على نظام الرعاية الصحية بشكل عام. اليوم، يتجه الاقتصاد بسرعة هائلة نحو الهاوية، وأمام الحكومة والقطاع المصرفي خيارات محدودة، لكنها بمجملها صعبة. وبالنظر إلى تجارب اليونان وإيرلندا والولايات المتحدة - خلال فترات متشابهة - يمكن أن نتوقع بعض ما سيأتي. وحتى لو استقرت الأمور، فقد يتبع ذلك - بدرجات متفاوتة - ما يلي:
1 - سيعلن بعض شركات التأمين الصحي الخاص إفلاسه.
2 - ستزيد شركات أخرى أقساطها (على الأقل لتتناسب مع ما يعادلها بالدولار الأميركي).
3 - ستقوم هذه الشركات بتطوير حزم جديدة أقل كلفة، إذا ما تمّ استبعاد المستشفيات الأكثر تكلفة.
4 - كل الصناديق الوطنية (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الصحة وغيرهما) ستعاني لتأمين التمويل والحفاظ على قدرتها على شراء خدمات المستشفيات بالليرة اللبنانية.
5 - تخضع جميع الرسوم المتعلقة بالرعاية الصحية (الأطراف الصناعية وأجهزة ضبط نبضات القلب والدعامات والمستحضرات الصيدلانية) للسياسة التي تقرّها الحكومة لحماية قدرة المواطن على الحصول على هذه المنتجات الحيوية.
6 - ستتبع المستشفيات، جزئياً، سعر صرف الدولار الأميركي وفقاً لسعر السوق (وليس سعر الصرف الرسمي) لضمان احتساب الزيادة في أسعار السلع التي لا تغطيها الجهات الحكومية.
7 - سعر الوقود يعتمد على موقف الحكومة.
8 - في بعض البلدان، لجأ بعض المستشفيات إلى خفض الأجور لجميع الموظفين من أجل الاستمرار. ومن الطبيعي أن المستشفيات غير القادرة على الاستمرار ستنزلق نحو عواقب وخيمة.
9 - بشكل عام، سنشهد تحولاً من جانب عدد من المرضى نحو الرعاية الإسعافية والعيادات الخارجية لتجنب دخول المستشفى. كما سنشهد زيادة كبيرة في أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى دعم على صعيد صحتهم النفسية.
10- سينخفض دخل الأطباء بشكل كبير، كما أن الزيادات في «الأتعاب» لن تكون متماشية مع تغير مؤشرات التضخم وسعر الصرف.
ما سبق هو ما نعانيه من مشاكل، ومعرفتها هي بمثابة نصف الحل. أما بالنسبة إلى العلاجات، فيجب أن يتم ذلك من خلال تنسيق الجهود ضمن إطار لجنة إدارة أزمات صناعة الرعاية الصحية (HICMC) التي تمثل: المستشفيات وقطاع منتجات الرعاية الصحية (المستوردون والمنتجون المحليون) والجمعيات المهنية لاختصاصيي الرعاية الصحية وشركات التأمين الصحي ووزارات الصحة والمالية والاقتصاد والعمل ومصرف لبنان (BDL). ويجب أن يكون الهدف الأساسي لهذه اللجنة هو الموازنة بين الاحتياجات المتعارضة، مثل تأمين الاحتياجات الصحية للمرضى، خصوصاً الأكثر عرضة والأكثر عوزاً، وخفض التكلفة الاستشفائية، والحفاظ على وظائف من هم في سلم الدخل الأدنى في الرعاية الصحية، وحماية المستشفيات، وإدارة احتياجات القطاع الصحي بشكل طارئ.
من المهم هنا تأكيد أن قطاع الرعاية الصحية اللبناني لا يزال قطاعاً مهماً يجلب العملات الأجنبية من المرضى القادمين من الخارج. والثقة التي يتمتع بها قطاع الرعاية الصحية اللبناني في المنطقة هي أحد الأصول التي يجب الحفاظ عليها. لذلك، تسهم مساعدة هذا القطاع في الحفاظ على الرصيد الإجمالي للعملات الأجنبية لمصلحة لبنان. علاوة على ذلك، في غضون 6 إلى 9 أشهر، يمكن أن يتشكل بعض الصناعات المحلية نستعيض به عن بعض ما يتم استيراده، والمساهمة تالياً في تشكيل اقتصاد منتج وخلق فرص عمل حقيقية للمواطنين اللبنانيين. وهنا بعض الاقتراحات:
1 - إبرام اتفاق بين المستشفيات ونقابات العمال والممرضين على قاعدة أن لا يجري تسريح العمال والممرضين في مقابل تجميد الأجور لمدة 3 سنوات. ويمكن إعادة النظر في هذا الأمر إن كان خفض قيمة العملة أو التضخم أعلى من العتبات المعقولة.
2 - تحديد الفئات الأكثر ضعفاً صحياً والتي يجب تلبية احتياجاتها على وجه السرعة.
3 - تشكل في مصرف لبنان لجنة دعم تمويل الرعاية الصحية التي تشرف على العديد من الخطوات.
4 - تعمل المستشفيات والشركات التي تستورد المنتجات الحيوية ضمن لجنة إدارة الأزمات على تحديد المنتجات الحيوية التي يجب استيرادها بشكل عاجل.
5 - تقليل الخطوات البيروقراطية اللازمة للمستشفيات للحصول على أموالها من وزارة المالية، وتحويلها مباشرة إلى مصرف لبنان لسداد قيمة المعدات المستوردة.
6 - التحول إلى الأدوية الجنسانية المعتمدة محلياً، ذات الجودة، حيث يكون ذلك ممكناً.
7 - التحول إلى منتجات الرعاية الصحية المعتمدة محلياً، والعالية الجودة، حيث يكون ذلك ممكناً.
8 - توجد ثغرات حالياً في ما يتم تغطيته من خدمات صحية من قبل الجهات الضامنة، وهي تحتاج إلى معالجة فورية تؤدي إلى وفر مالي يمكن استخدامه في أماكن أخرى، مع الأخذ في الاعتبار الجانب الأخلاقي.
9 - بذل كل ما هو ممكن لإنقاذ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من دوامة التخلف عن السداد، وفي الوقت نفسه إجراء إصلاحات صارمة داخل هذا الصندوق وجميع الصناديق المماثلة الأخرى.
10 - تنظيم العلاقة بين مستهلكي الرعاية الصحية والقطاع المصرفي لتسهيل الإنفاق على الرعاية الصحية.
11 - الإسراع في زيادة عدد مراكز العناية الأولية التابعة لوزارة الصحة مع تحسين جودة الخدمات المقدمة.
12 -الإسراع في تطبيق الإصلاحات المطلوبة في القطاع الصحي كما ورد في التقرير الصادر عن مراقب لبنان الاقتصادي التابع للبنك الدولي.
13 - النظر في زيادة السقوف المالية للمستشفيات الحكومية مع إجراءات فورية لتحسين جودة الخدمات وترشيد الإنفاق.
نحن أمام واقع صعب، لكن هناك فرصة إن كانت لدينا القيادة والرؤية الصحيحة. وهذه الأخيرة هي كل ما يعتمد عليه هذا البلد والقطاع.

* طبيب أمراض القلب، مدير برنامج طب الشرايين في الجامعة الأميركية في بيروت