في الموسم الماضي، كان يُفترض بـ«الحاجّة حياة» أن تؤدي مناسك الحجّ في مكة المكرمة برفقة زوجها. لكن كلفة «الخدمة»، التي استحالت «كاراً» يدرّ على أصحابه أموالاً طائلة، كانت لتقصم ظهر العائلة لأن «9 آلاف دولار مش كلمة بالتمّ». لذلك، تقرّر أن يذهب «الحاج أبو محمد» وحيداً، على أن تؤدي زوجته المناسك في العام الذي يليه.هذا العام بدأ السباق باكراً بين أصحاب الحملات، مع استفحال «أزمة الليرة»، لاستقطاب «الزبائن» الحجّاج، المتأرجِحة خياراتهم بين تقديم الأوراق المطلوبة لإتمام حجوزاتهم أو تأجيل إنجاز المناسك إلى الموسم المقبل بسبب الأوضاع. «الحاجّة حياة» أكثر ميلاً إلى التأجيل، سيّما أن التكلفة هذا العام ارتفعت إلى 4,700 دولار، و«الدفع بالدولار»، كما أخبرها «مكتب الحملة» في منطقة حارة حريك. وهو واحد من جملة حملات باتت تعتمد برنامجاً بخيارات كثيرة، بين من يفترض أنهم «يتساوون أمام الله»: إذ تراوح الكلفة بين 3,100 دولار (4 أشخاص في غرفة واحدة) و4000 دولار (شخصان في غرفة)، إضافة إلى خيار «الدرجة أولى» الذي تصل كلفته الى 5500 دولار، مع خدمات «خمس نجوم»، تتضمن «كيّ الملابس، الغسيل، تنظيف الغرفة، البوفيه المفتوح والخيم المكيّفة».

حمّلت هيئة شؤون الحجّ وزارة الاقتصاد مسؤولية كبح الاستغلال (هيثم الموسوي)

صحيح أن الحجّاج «مخيّرون وليسوا مجبورين»، كما يقول مسؤول عن حملة تتقاضى بين 4000 و4800 دولار. إلا أن ارتفاع الأسعار هذا العام - وتفاوتها الملحوظ بين منطقة وأخرى - في ظل اشتداد الأزمة المعيشية لا يبدو بريئاً في نظر بعض الزبائن، وبات يستدعي «إطلاق جهاز رقابي يكبح الاستغلال»، على ما يرى مسؤول حملة للحج في منطقة الملّا، يتقاضى لقاء خدماته 3300 دولار، بالإضافة إلى «خمسين دولاراً رسم تقديم الطلب». أما خدمات الرفاهية فـ«ليست إلا حجة ابتدعها السوق لاستغلال الحجّاج وسرقة أموالهم بأساليب مسوّغة شرعياً». وهي للمناسبة «خدمات لا تختلف في جوهرها عمّا تؤمّنه بقية الحملات». الأخير يستغرب غياب هيئة رعاية شؤون الحج والعمرة في لبنان في ظلّ إصرار أصحاب الحملات على دفع الحجّاج بالدولار، معتبراً أن «أي حديث عن استحقاق رسوم قبل شهر آذار (تاريخ صدور تأشيرات الحجّاج) على الأقل سابق لأوانه». وهو اعتبار محقّ بالنظر إلى التأرجح المرافِق لسعر صرف الليرة مقابل الدولار، الذي لامس الأسبوع الماضي الـ2400 ليرة. ماذا يفعل الحجّاج فيما لو أصبح الدولار بـ6000 آلاف ليرة مثلاً؟ من يقرر تاريخ وآلية الدفع؟ والأهم، من يحمي شؤون الحجّاج الذين طُلِب من أغلبهم «الشروع بتحويل أموالهم من هذه اللحظة وتأمين المبلغ كاملاً بالدولار»، مع الإشارة إلى أن المطلب الأخير يفتح باب النقاش حول الخسارات المحتملة التي قد يتكبّدها الحجّاج في حال تراجع سعر صرف الدولار عن السعر الحالي.
مدير هيئة رعاية شؤون الحج، إبراهيم العيتاني، أكد أن «لا سلطة رقابية للهيئة تمنع الاستغلال من قبل الحملات»، محملاً المسؤولية الكاملة إلى «وزارتي المالية والاقتصاد»، من دون أن يستند في ذلك إلى أي بند أو نص قانوني. حسب العيتاني، إن حدود تدخل الهيئة لا يتجاوز «النظر في شكوى حاجّ أو حاجّة وقعا ضحية حجوزات وهمية». أما النقاش حول الدفع بالدولار، فيقول إنه «مؤجّل» ريثما تنتهي الأزمة. لكن الأزمة قد تطول وتتطوّر إلى ما هو أسوأ؟ يؤكد أن «الحل مش عنّا» وأن الدفع «دائماً بالدولار» ولا علاقة لذلك بالأزمة، مستغرباً مخاوف الحجّاج في هذا الإطار، باعتبار أن «يلي ناوي يروح ما بيسأل هالأسئلة»!