لم يتوقّف صندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة عن دفع التقاعد وتعويض نهاية الخدمة للمعلمين بعد. يُنجز مجلس إدارة الصندوق، أسبوعياً، نحو 100 طلب، وسط مخاوف أثيرت، أخيراً، بشأن تهديد الأزمة الاقتصادية لمدخّرات المعلمين وللملاءة المالية للصندوق التي تقارب الألف مليار، والموجودة في 20 مصرفاً لبنانياً.وكانت مجموعة «نقابيات ونقابيون بلا قيود» حذّرت من تأثير الانهيار الاقتصادي على الصندوق، واقترحت، بمساندة الوزير السابق شربل نحاس، القيام بخطوة استباقية، كانت ستحمي، برأيها، أموال المعلمين التي ستؤول إليهم بعد تقاعدهم، لو جرى تلقّفها من نقابة المعلمين واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة. وتقضي المبادرة بإجراء اتصالات مع مجموعة «سيدر» والجهات المانحة والبنك الدولي والبنك المركزي والطلب إليها إعطاء ضمانات للصندوق، باعتبار أنّه من كبار المودعين، من أجل استرداد جزء لا بأس به من الموجودات إذا وقع الانهيار التامّ. أما الجواب على الطرح فكان، بحسب المجموعة، أنّ «الوضع ليس بالمأسوية التي يتم تصويرها، وإن حصل الانهيار فسيطاول الجميع».
بالنسبة إلى رئيس نقابة المعلمين، رودولف عبود، يواجه المعلمون المتقاعدون من القطاع الخاص مشاكل مشابهة لسائر المواطنين، والمتعلّقة بالقيود المصرفية على الودائع والتحويلات، «إلاّ أنّ أزمة صندوقنا تكمن في استمرار سريان مفعول بدعة «دفعة على حساب» تعويض المعلم أو راتب تقاعدِه في صندوقَي التعويضات والتقاعد خلافاً لكل القوانين التي تحكُم عملهم». بمعنى آخر، تعويض المعلم لا يُبَتُّ نهائياً في انتظار إقرار الدرجات الستّ الاستثنائية المشمولة بقانون سلسلة الرتب والرواتب الرقم 46 الصادر بتاريخ21/8/2017، والتي لم يوافق عليها حتى الآن معظم أصحاب المدارس الخاصة. وللمفارقة، فإن نقابة المعلمين هي التي قبلت بصيغة «دفعة على الحساب»، في محاولة لوقف تعطيل عمل الصندوق واحتجاز تعويضات المعلمين لمدة ثمانية أشهر بقرار من المؤسسات التربوية الخاصة. لكنّ النقابة سارت، على خط موازٍ، بتشجيع المعلمين على رفع الدعاوى القضائية ضد المؤسسات للحصول على الدرجات الست، وقد ربحت إحدى المعلمات الحكم وأجبرت الصندوق على دفع تعويض الدرجات الذي قُدّر لوحده بـ70 مليون ليرة لبنانية. مع ذلك، نال نحو 3000 معلم تعويضات «غير قانونية» لا تتضمن الدرجات الست، منذ صدور القانون.
إلى ذلك، يُحرم جزء كبير من المعلمين من تعويضاتهم أو رواتب تقاعدِهم بسبب تخاذل المؤسسات التربوية عن القيام بواجباتها القانونية وبسبب تخلفِها عن تسديد المحسومات المقتطعة أصلاً من رواتبهم لمصلحة صندوقَي التعويضات والتقاعد (6% تُقتطع من الراتب الشهري للمعلم و6% مساهمة المدرسة في الصندوق). وقد تصل المتأخرات إلى مليارات الليرات.
وكي ينال المعلم تعويضه، ابتدع مجلس إدارة الصندوق صيغة جديدة تشترط على المتقاعد أن يدفع المحسومات المقتطعة من راتبه «ويتصافى» بعد ذلك مع مدرسته! إلاّ أنّ نقيب المعلمين ينتقد هذا الإجراء «اللاقانوني»، باعتبار أن تخلف إدارة المدرسة عن دفع المحسومات ليس من مسؤولية المعلم، والقانون يشترط أن تُسدد المدرسة متوجباتها عن جميع المعلمين، حتى يستطيع معلم واحد الحصول على تعويضه. في المقابل، شرح عضو مجلس إدارة الصندوق، جمال الحسامي، أن «التسوية المعتمدة تسمح للمعلم بأن يأخذ تعويضه الذي انتظره لعشرات السنوات وهو بحاجة ماسّة إليه، فيما يواصل مجلس الإدارة إرسال الإنذارات إلى المدارس وتقديم تسهيلات الدفع مثل تقسيط المتأخرات وما شابه». لكنّ عبود أشار إلى أنّ الإنذارات لا تتم بصورة منهجية والصندوق لا يحاسب المتأخرين عن دفع مستحقاتهم، علماً بأنّ البند 6 من المادة 21 من قانون تنظيم أفراد الهيئة التعليمية يتيح لمجلس الإدارة إرسال تنبيه خطي بوجوب الدفع خلال مهلة أقصاها شهران. وعند انقضاء المهلة للمجلس أن يفرض غرامة تأخير بنسبة 2% عن كل شهر تأخير. وإذا تكرّرت المخالفة يحقّ لمجلس الإدارة أن يرفع إلى وزير التربية لائحة بأسماء المدارس المخالفة طالباً منه اعتماد الإجراءات المناسبة.
نقيب المعلمين: صندوق التعويضات لا يُحاسب المدارس

وإذا ارتأى الوزير وجوب إقفال المدرسة لمدة معينة أو نهائياً يرفع ذلك إلى مجلس الوزراء. وفي حال صدور مرسوم الإقفال الدائم، على المدرسة أن تتحمل كامل التعويضات المستحقّة للمعلمين.
وعن شكاوى المعلمين من أن الصندوق يتأخر في دفع التعويض 4 أو 5 أشهر، أوضح الحسامي أن هناك 1200 طلب تعويض أو تقاعد منذ بداية العام الدراسي الحالي، وإنجازها يتطلب بعض الوقت، وهناك بعض المدارس تدفع محسومات لرواتب تقلّ عن الرواتب القانونية (كأن تصرّح المدرسة أن الأستاذ يقبض 750 ألف ليرة في حين أن راتبه القانوني هو مليون و88 ألف ليرة، والتعويض يُحسب على أساس الراتب القانوني). ولكن لماذا لا يجري التدقيق في ذلك، عندما يكون المعلم في الخدمة؟ أجاب الحسامي أن الصندوق يأخذ البيانات على مسؤولية المدرسة!
أما عبود فلفت إلى أنّ ضغط الطلبات ليس السبب الوحيد، فمجلس الإدارة لم يكن يجتمع أسبوعياً كما يفرض القانون، مشيراً إلى أن «المدرسة تقدم بيانات مزوّرة والصندوق لا يحاسبها». لا يغفل النقيب الحديث عن الواجب القانوني للمعلم في زيارة صندوق التعويضات لا سيما عندما يغادر مدرسته إلى مدرسة أخرى ليضم الخدمات، فضلاً عن أهمية أن يزور الصندوق مرة في السنة على الأقل، بعد رأس السنة تحديداً حيث تكون إدارات المدارس قد رفعت بياناتها إلى صندوق التعويضات، ليتأكد من أنّ المدرسة صرّحت براتبه القانوني. واللافت ما يشير إليه عبود لجهة أن موظفي الصندوق يرفضون تزويد المعلمين بإفادات رسمية برواتبهم التي يستحقونها وفق سنوات خدمتهم وشهاداتهم التعليمية، أو إعطاءهم أجوبة شفهية لا يستطيعون أن يجابهوا بها مدارسهم التي قد تحدّد لهم رواتب أقلّ بكثير مما يستحقّون.