هلعٌ يومي يعيشُه المودعون. يخشون الاستيقاظ في يوم مرتقب يتحقّق فيه كابوس فقدانهم جنى عُمرهم. هل ستنهار المصارف وتتبخّر أموالهم، أم تنهار الدولة ويُستولى على ودائعهم التي تحتجزها المصارف بشكل غير قانوني؟ وهل من «قص شعر» مُحتمل أن يأخذ نصف ودائعهم؟ ماذا سيحصل فعلاً إذا وقعت الواقعة؟ تزدحم الأسئلة في رؤوس هؤلاء الذين أصبح همّهم اليومي سعر صرف الدولار وقرارات تشدُّدٍ مرتقبة لجمعية المصارف لإصدار قيود جديدة على السحب أو الإعلان عن فقدان أوراق الدولار. حبل النجاة الوحيد الذي يراه هؤلاء صار بيد الصرّافين. الصرّافون الذين يملكون كميات كبيرة من الدولارات الجديدة أصبحوا محطّ الأنظار. لا يسألهم أحد من أين لهم هذا، ولا يُعلَم إن كان هناك تواطؤٌ بينهم وبين أصحاب المصارف الذين قد يكونون يزوّدونهم بالدولارات لصرفها بالسوق لتحقيق أرباح هائلة. صاروا مقصد المواطنين الذين يُخرّجون مدّخراتهم من البنوك على هيئة شيكات مصرفية، ويسيّلونها لدى صرافين لقاء «عمولة» تصل إلى 35 في المئة. أي أنّ المودع الذي يملك مئة ألف دولار في حسابه أصبح مستعداً للتخلي عن 35 ألف دولار منها مقابل الحصول على 65 ألفاً، خشية ضياع المبلغ كاملاً في الأيام المقبلة. ونسبة العمولة هذه بدأت قبل شهر بـ 15 في المئة، ليرتفع حدها الأدنى إلى 20٪، قبل أن يصل إلى 25 في المئة منذ يومين. أما أمس، فوصل الحد الأدنى للعمولة إلى 30 في المئة، ليبقى الحد الأقصى 35 في المئة.هذا أبغض الحلول لدى المودعين الذين يرون فيه فرصة لإنقاذ أموالهم من قبضة المصارف. حلول أُخرى اجترحها آخرون. أسهلها شراء عقارات لتخريج مدّخراتهم المالية على هيئة عينية، إلا أنّ هذا الحل دونه صعوبات تتعلق بقبول صاحب العقار بقبض ثمن عقاره شيكاً مصرفياً، إذ إنّه بذلك يعتقد بأنّه يُقدم على مخاطرة من يشتري السمك في البحر. هذا الأمر يؤدي إلى رفع سعر العقار، وبالتالي خسارة أكبر للمودع الذي يرفع الثمن لإغراء البائع. حلٌ ثالث بات يعتمده المودعون في الأسابيع الأخيرة، على اعتبار أنّه الأقل خسارة، ويتمثّل في لجوء من يملك المال في مصرف إلى تسديد قرض مستحق على صديق له أو أحد معارفه، مقابل تعهّد الأخير بتقسيط المبلغ له بشكل نقدي على دفعات شهرية، بعد تحرير سندات لدى الكاتب بالعدل. انعدمت الثقة بالمصارف لدرجة بات التعهّد لدى الكاتب العدل أكثر أمناً وطمأنينة من المصرف.
في مقابل الحلول التي يبتدعها اللبنانيون لاستعادة أموالهم المحتجزة عبر الاستعانة بصرّافين أو بغيرهم، تنشط مافيا رفع سعر الدولار. هذا ما تحدث عنه اللواء جميل السيد في تغريدة نشرها قبل أيام، متحدثاً عن صرّاف يُحضر مليارات الليرات بالشاحنات. توجّه السيد إلى المدّعي العام التمييزي، متحدّثاً عن صرّاف لم يُسمّه، إنما ذكر الأحرف الأولى لاسمه (و. و.)، «كان خلال فترة إقفال المصارف يشتري دولارات يومياً مقابل ثلاثة مليارات ليرة جديدة بالنايلون»، معتبراً أنّ إغراق السوق بالليرة اللبنانية وسحب الدولار يؤدي إلى رفع سعره. وكشف أنّ «سعر الدولار أصبح آنذاك ١٨٥٠ ليرة». يُكمل السيد: «بعد فتح المصارف، بات (الصرّاف) يصرف ١٠ مليارات ليرة كل مرة لشراء الدولار فأصبح سعره فوق ٢٠٠٠ ليرة. من أين يأتي بالأموال الهائلة لشراء الدولار ورفع سعره؟ رياض سلامة يعرف». ولفت إلى أنّ «اسم الصيرفي أُعطي لرياض سلامة منذ أكثر من شهر خلال اجتماعه بالصرّافين ولم يتحرّك. ومنذ أسبوع أيضاً، أودع اسمه والمعلومات عنه لدى المدعي العام التمييزي». وختم قائلاً: «نتحفّظ عن ذكر اسم الصيرفي مؤقتاً ريثما يقوم القضاء بدوره». وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أنّ الصرّاف الذي تحدّث عنه السيد، و. و، يملك محلاً للصيرفة في الطريق الجديدة. حاولت «الأخبار» الاتصال به أكثر من مرة، لكنه لم يُجِب. وذكرت مصادر قضائية أنّ الصرّاف و. و. استُدعي مطلع الأسبوع، حيث جرى التحقيق معه في مكتب مكافحة الجرائم المالية، بناء على إشارة هاتفية من النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم. وكشفت المصادر القضائية أنّ التحقيق لم ينته بعد.