خلافاً للقانون، تعدّت النيابات العامّة مرة جديدة صلاحيّاتها لتُصدر إشارات قضائيّة بحقّ ناشطين رهن التحقيق. صلاحيات النيابات العامة المحصورة بالادّعاء فقط، باتت اليوم تشمل إصدار إشارات تُلزم الناشطين قيد التحقيق، لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة مثلاً، بحذف منشورات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي وإلزامهم بعدم تناول شخصيّات معيّنة. مع العلم «أن قرار إزالة أي منشور يُفترض أن يُؤخذ من محكمة الأساس بموجب حكم قضائي مبرم وليس بإشارة قضائيّة»، وفق المحامي أيمن رعد عضو لجنة المحامين المدافعين عن حقوق المتظاهرين.مخالفة النيابات العامّة للقوانين تكرّرت بإصدار المحامي العام في بيروت ساندرا خوري إشارة قضائيّة تُلزم المخرج ربيع الأمين، وهو قيد التحقيق لدى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة صباح أمس، حذف منشوراته بحقّ رئيس مجلس الإدارة المدير العام لبنك الموارد مروان خير الدين وتوقيع تعهّد بعدم التعرّض له من جديد. رفض الأمين إزالة جميع «بوستاته» عبر فايسبوك أو التوقيع على تعهّد بعدم الحديث مستقبلاً عن خير الدين بما أنّه شخصيّة عامة ومصرفي، وطلب حصر التعهّد بعدم التعرّض الشخصي، لذلك أعيد التواصل مع خوري لتلزمه الإشارة فقط بـ«إزالة ثلاث عبارات مسيئة بحق خير الدين من بوستاته، عدم التعرّض بالإهانات الشخصيّة له، وتعديل بوستاته بشكل فوري لدى القسم التقني في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة».
تجاوَب الأمين معلناً أن هاتفه ليس بحوزته وأنه لا يعرف كلمة المرور إلى حسابه عبر «فايسبوك»، فكان أن تُرك رهن التحقيق وأُعطي مهلة 24 ساعة حتى الثانية عشرة ظهر اليوم ليزور المكتب للتأكد من حذفه العبارات المطلوب منه حذفها.
غير أن المكتب لم ينتظر إلى اليوم، إذ استدعى الأمين مساء أمس، طالباً منه الحضور الفوري، ويرجّح أن يكون سبب الاستدعاء تصريح الأمين للصحافيين (لقناة «الجديد») بعد خروجه من التحقيق، وانضمامه إلى الوقفة التضامنية معه أمام المكتب. إذ أن التصريح الذي أدلى به الأمين «على طريقته الخاصة» ذاكراً فيه العبارات الثلاث المسيئة التي طُلب منه إزالتها، أزعج النيابة العامة فحرّكت المكتب من جديد لإعادة استدعاء الأمين الذي كان خارج بيروت.
الأمين عمِل بإشارة النيابة العامة وعدّل عدداً من بوستاته وأزال بعضها، وعدداً آخر كان أزاله قبل أكثر من أسبوعين. وعلى أساس الاستدعاء الثاني، يحضر التاسعة صباح اليوم إلى المكتب، يرافقه محامون من لجنة الدفاع عن المتظاهرين. ويتوقّع أن تنظّم وقفة تضامنيّة معه أمام المكتب تزامناً. خلال التحقيق أمس، أصرّ المخرج والناشط على حقّه الدستوري في حريّة التعبير وفي فضح الفساد وفي الحديث عن الشخصيّات العاملة في الشأن العام، بما فيها المصرفيّ والوزير السابق خير الدين. الأخير أعلنها معركة شخصيّة ضدّ الأمين، الذي لم يكن الوحيد الذي انتقده عبر مواقع التواصل بسبب صوره في رحلة صيد، واتهامه الشعب اللبناني بالبذخ، ودعوته الناس إلى التقشّف وترويجه لتحويل الودائع من الدولار إلى الليرة. لكنّ الأمين اليوم، قد يواجه تهمة عدم الالتزام بإِشارة قضائيّة «غير قانونيّة» أساساً، وهو جرم يمكن توقيفه على أساسه وهو ما يستبعده المحامون «بحكم الانتفاضة».
بعد تصريحاته استدعي الأمين مجدداً للمثول لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة


قبل الانتفاضة الشعبيّة، حين كان نشاط النيابات العامة ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة في أوجه، كان يمكن الحديث عن عدم تكافؤ القوى في المعركة بين ناشط فرد كتَب منشوراتٍ مستفزّة، في مقابل سلطة ونفوذ مصرفيّ ووزير سابق. اليوم، كثُر المتضامنون مع الأمين وتضاعَفوا، ليس من باب موافقتهم بالضرورة على طريقة تعبيره، بل لأنّهم مثله مستفزّون من مصرفيّ مشغول بالترويج لـ«نظريّته» في تحويل ودائهم بالدولار إلى الليرة . جيمعهم متمسّكون بحقّ التعبير عبر مواقع التواصل وفي الساحات وبفجاجة، ضدّ منظومة المصارف ومالكيها المشاركين في عمليّة إذلالهم لدى سحب ودائعهم أو رواتبهم.