أصدر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أمس، قراراً جديداً (قرار وسيط رقم 13195) يطلب فيه من المصارف «التقيّد بالحدّ الأقصى لمعدّل الفائدة الدائنة على الودائع التي تتلقّاها أو تقوم بتجديدها بعد تاريخ 12/2/2020». وقد حدّد الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية (دولار أو عملات أخرى) على الشكل الآتي: 2% على الودائع لشهر واحد، 3% على الودائع لستة أشهر، 4% على الودائع لسنة وما فوق. أما بالنسبة إلى الودائع بالليرة اللبنانية، فقد حدّد القرار فائدتها بـ 5.5% على الودائع لشهر واحد، 6.5% على الودائع لستة أشهر، و7.5% على الودائع لسنة وما فوق. تعميم مصرف لبنان هو الثاني من نوعه، بعد اندلاع الانتفاضة وانكشاف الأزمة الاقتصادية التي يواجهها البلد رسمياً. المرة الأولى كانت بتاريخ 4 كانون الأول 2019، يوم خفّض سلامة الفوائد على الودائع بالليرة إلى 8.5% وعلى الدولار إلى 5%، بالحدّ الأقصى.الفوائد المرتفعة على الودائع تُعدّ من «سمات» النظام الاقتصادي اللبناني، والوسيلة الأولى لاجتذاب الأموال، ولا سيّما منها العملات الصعبة. يسمح ذلك للمصارف بامتصاص السيولة من السوق، عوض التشجيع على الاستثمار وتنمية الاقتصاد، ويُتيح لأصحاب الحسابات، ولا سيّما «الكبار» منهم، مراكمة أرباح كبيرة من دون أي عمل، وعلى حساب الطبقات العاملة. لسنوات، كان رياض سلامة يتذرّع بأنّ «السوق يتحكّم بأسعار الفوائد»، وبالتالي لا قدرة لديه على تخفيضها. تماماً، كما يستخدم سلامة «السوق» كشمّاعة لكلّ إجراءاته، ومنها عدم ضبط سعر الدولار لدى الصرّافين، واتخاذ إجراءات تحمي صغار المودعين. حتى بعد أسابيع على اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول، ظلّ مُصرّاً على إلقاء المسؤولية على «السوق». اللافت في القرارين، انتهاء مفاعيل كلام الحاكم، بعدما باتت هذه «الميّزة» عبئاً على ميزانية المصارف، التي أدّى عددٌ من أصحابها ورؤساء مجالس إدارتها دوراً في الدفع نحو تخفيض الفائدة، لتخفيف الكلفة عليهم وإتاحة تحرير بعض الودائع. على الرغم من ذلك، لا تزال الفائدة مرتفعة نوعاً ما، ولا سيّما إذا جرت مقارنتها بدولٍ أخرى باتت تعتمد منذ مدّة معدلات فائدة منخفضة جداً (الأردن والعراق 4%، قطر والبحرين 2.4%، السعودية 2.3%، الكويت 1.5%)، وسلبية في بعض الأحيان، كما في حالة الاتحاد الأوروبي. ولكنّ مصادر مصرفية تقول لـ«الأخبار» إنّ أسعار الفوائد «لن تشهد مزيداً من التخفيض».
حدّد مصرف لبنان الفائدة الأقصى على الودائع بالعملات الأجنبية بـ 4%


بعد هذه الخطوة، يجب أن تُصدر جمعية مصارف لبنان تعميماً يوصي بخفض أسعار الفائدة المرجعية (تشكّل قاعدة لاحتساب الفوائد على القروض بعد إضافة كلفة المخاطر والربحية. وعادة ما تُضاف 2% أو 2.5% على الفائدة المرجعية لمعرفة الكلفة الفعلية على الاقتراض التي يتكبدّها السكان والقطاع الخاص) في السوق على التسليفات (خُفّضت في 17 كانون الثاني إلى 8.50% على الدولار، و11.50% على الليرة)، وذلك عملاً بـ«توصية» سلامة في قراره أمس أن تعكس المصارف تخفيض معدل الفوائد الدائنة في احتساب معدلات الفوائد المرجعية لسوق بيروت (BRR). تخفيض فوائد المودعين «يفترض أن يُخفّض كلفة المصارف وأن ينعكس حينها على فوائد المقترضين. إنما المصارف تعود وتُضيف استنسابياً الفائدة فوق نسبة الفائدة المرجعية ــــ BRR، حتى ولو انخفضت، أي أنها ترتاح في كلفة المودعين دون أن تُساعد كفاية المقترضين»، كما كتب أمس النائب آلان عون على وسائل التواصل الاجتماعي، مُعتبراً أنّه «لا يجوز أن يكون المواطن مودعاً أو مقترضاً خاسراً، والمصرف وحده رابحاً». تتباطأ المصارف في تخفيض معدل الفائدة المرجعية، وتعمل على إبقائه مرتفعاً قياساً بالفوائد على الودائع، سعياً منها وراء كسبٍ إضافي. إلا أنّ حجتها الرسمية هي «عدم القدرة على تخفيض الفائدة المرجعية بالنسبة نفسها التي تنخفض فيها الفائدة على الودائع، بسبب العقود القديمة التي لا تزال كلفة تمويلها مرتفعة، ويجب الانتظار إلى أن تستحق».
السؤال الذي يُطرح أيضاً، هو حول عدم إقدام مصرف لبنان على تخفيض الفائدة التي يدفعها على شهادات الإيداع وعلى ودائع المصارف لديه، تحرّراً من أعباء إضافية؟ تردّ المصادر المصرفية بأنّها «علاقة محكومة بالعقود الموقّعة بين الطرفين، ولا يُمكن تغيير شيء في الشروط قبل انتهاء العقود». خلاصة الأمر أن سلامة خفّض الأكلاف التي تدفعها المصارف، وترك لها إيراداتها عالية، ما يؤمن لها نسبة أعلى من الأرباح!