كان يفترض باعتصام شابات التيار الوطني الحر وشبّانه أمام مصرف لبنان أن ينتهي في غضون ساعة من بدئه، مرتكزاً على سؤال واحد: «أين ذهبت الأموال المهرّبة من المصارف إلى الخارج، ولماذا لا يعلن عنها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟». لم يتطرّق المعتصمون إلى إقالة سلامة ولا إلى الهجوم عليه بالمباشر. العنوان الرئيسي للتظاهرة التي دعت إليها لجنة مكافحة الفساد التي يرأسها عضو المكتب السياسي وديع عقل تبنّت سؤال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لسلامة عن آلية تهريب الأموال الى الخارج وعن الكمية ولمصلحة من. تظاهرة جدّاً عادية مقارنة بباقي التظاهرات التي تُنظّم أمام المصرف، فلم يتخللها شغب أو شعارات سياسية أو رشّ شعارات على الحيطان. لكن كان من الصعب على رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط أن «يبلعها»؛ كشّر البيك عن أنيابه الرأسمالية لينصّب نفسه حارساً للمصرف ولحاكمه الذي أتاح له تهريب أمواله في أول أيام الثورة. أراد جنبلاط ردّ الجميل لسلامة، فاستخدم مناصريه لحمايته. هكذا، قطع الاشتراكيون الطريق على باصات التيار القادمة من مختلف مناطق جبل لبنان، بعدما أبلغهم القاطن في قصره في كليمنصو أنه مهدّد. تعرّضت سيارات بعض المعتصمين للتكسير على المعابر التي نصبها المبايعون لجنبلاط، وأصيب من في داخلها فتم نقله الى المستشفى. رُشقت الباصات بالحجارة وقطعت الطريق بالدواليب المشتعلة، وسط هتافات مبايعة الاشتراكيين لزعيمهم الإقطاعي. لا بل آثروا المزايدة على الهتاف الرئيسي الذي يقول: «حَيِّدوا نحنا اشتراكيي حَيِّدوا... وليد بيك بعد الله منعبده»، ليصرخوا بدلاً منها: «وليد بيك قبل الله منعبده». ثم: «بالروح بالدم نفديك يا وليد». هناك من ذهب أبعد من الإشادة بزعيمه ليعلّق أن «رياض سلامة أشرف زلمي». بعدها، بدأ أزلام زعيم المختارة، من النائب وائل أبو فاعور الى النائب هادي أبو الحسن وبلال عبد الله، يردحون على المحطات التلفزيونية ومواقع التواصل ويصدرون البيانات، مختلقين قصة عن توجّه مناصرين عونيين الى منزل البيك وبأياديهم سكاكين وأسلحة. توترت الأجواء وتجمع الجنبلاطيون على بعد أمتار من المعتصمين، بينما حضر عناصر من الجيش للفصل بينهم. واللافت حفاظ العونيين على هدوئهم، رغم استفزازات أنصار الاشتراكي والشتائم التي تناولت رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر. إذ منع مسؤولو التيار الشباب من الرد على الهتافات، ودعوهم الى العودة للتجمع أمام المصرف. البعض لم يتمكن من كتم غيظه، فصرخ: «الله لبنان عون وبس». آخرون استهجنوا عدم الردّ؛ «غالباً ما يتمّ التعدّي علينا، فتأتي الأوامر بالحفاظ على الهدوء. منتبهدل ومنفلّ».أمس، بدا جنبلاط مستعداً للعب بالسلم الأهلي وتحريض طائفة ضد أخرى وإراقة الدماء وكأنه لم يخلع يوماً عباءة الميليشيا. الفارق هنا أنه انتقل من حماية زعامته وما اعتبره «إمارته» يومها، الى حماية حاكم مصرف لبنان والمصارف والوقوف علانية معهم ضد المواطنين. ببرودة أعصاب، أصدر بياناً طمأن فيه مناصريه إلى أن لا خطر على حياته، مشيراً إلى أن «الهجوم على المصرف المركزي سهل وأنا أفهم جوع الناس» ليحوّر الحديث بعدها نحو الكهرباء. كرر النائب القواتي أنطوان حبشي الكلام نفسه مساء. بات من الواضح أن حملة شرسة تقودها ما كان يسمى بقوى 14 آذار ضد التيار العوني بعد فسخ الاتفاق مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وتشكيل حكومة جديدة بدونه. وللصدفة أيضاً، اتصل الحريري على عجل بالبيك، مؤكداً تضامنه معه. في موازاة ذلك، دعا جنبلاط مناصريه للتوجه الى منزله، بعدما أدّوا الدور المراد منهم.
على المقلب العوني، تابع التيار اعتصامه بكلمات ممثلين عن مختلف القطاعات؛ من الرياضة والشباب الى الصناعة الى المرأة، تمحورت جميعها حول حق المواطنين في الحصول على ودائعهم وحول ضرورة الكشف عن وجهة الأموال المهرّبة ومالكيها ومصدرها. حمل العونيون لافتات تشير إلى أن 40 في المئة من البنوك مملوكة بطريقة مباشرة وغير مباشرة من السياسيين، وأخرى تقول: «بدنا بنك مركزي ينظّم القطاع مش يتواطأ مع الإقطاع». هناك من حنّ الى زمن التسعينيات، فراقص صورة الرئيس عون بالبدلة العسكرية، على أنغام «راجع يتعمرّ لبنان». بجانبه هتف العونيون: «يا رياض ويا رياض وين حوّلت الدولارات». غاب وزراء ونواب التيار عن النشاط، هؤلاء بأغلبيتهم اختاروا الصمت في الأسابيع السابقة تلافياً للتعليق على الوضع المصرفي.
يستهجن العونيون الربط بين التمديد لسلامة وانتقادهم لسياسته


«تركنا الساحة لغيرنا حتى لا نتسلق على اعتصامات المجموعات الأخرى، لا بشعاراتها ولا بأرضها ولا بساحتها»، يقول عضو المكتب السياسي المحامي وديع عقل ردّاً على سؤال عما دفع التيار إلى الاعتصام اليوم وليس قبل شهر مثلاً. ماذا عن مشاركة التيار في التمديد لسلامة، ثم التظاهر ضده؟ يجيب: «نحن الطرف الوحيد الذي ناقش بموضوع التمديد ومن دون أي حليف، والواقع أن يداً واحدة لم تكن لتصفق. ذلك لا يعني أننا سنسكت عن التجاوزات، ولذلك نطالب المدعي العام التمييزي بالتحرك لاستعادة الأموال المنهوبة. أموال أولادنا وأولاد من يقطعون الطرقات علينا». قيل آنذاك إن التجديد للحاكم جرت مقايضته بهندسة مالية لمصلحة بنك «سيدروس» الذي يرأس مجلس إدارته الوزير السابق رائد خوري؟ «لسنا معنيين بسيدروس، وكان خوري قد استقال من مجلس الإدارة؛ أصلاً، يصعب على خوري التأثير في أمر على هذا المستوى». من جانبه، يشير عضو المكتب السياسي زياد نجار إلى أن التيار «لم يطلب من سلامة السماح بتهريب الأموال الى الخارج، سائلاً هل أصبح انتقاد سلامة محرّماً علينا إن مددنا له؟ نتعامل معه على القطعة، إن قام بعمل صائب نصفق له، وإن خالف القوانين ومسّ بودائع الناس وجنى أعمارهم ننتقده ونواجهه شعبياً وقضائياً وبكل الطرق. هذا هو العمل السياسي، وبالأمس أخطأ سلامة. يحكى عن تحويلات هائلة ستنعكس تداعياتها على المواطنين العاديين والموظفين والطبقات الوسطى والفقيرة. نريده أن يكشف عنها تمهيداً لاستردادها». من جهته، سأل الناشط نعمة إبراهيم كيف لا يملك الحاكم جواباً عما تفعله المصارف وعن «الكابيتال كونترول»، فيما عرّف سيمون سلوم عن نفسه بأنه «مواطن لبناني له الحق في التظاهر لمعرفة من هرّب الأموال وخفّض سعر الليرة، ومن غطى المهرّبين سياسياً وأمنياً ومصرفياً». أما نائبة رئيس التيار للشؤون الإدارية مارتين نجم فأعلنت أن هذا التحرك هو واحد من سلسلة تحركات لمكافحة الفساد سيُعلن عنها تباعاً.