بعد نحو شهر على نشر بلدية بيروت إعلان رغبتها «الاستحصال على عروض أسعار» بغية تنفيذ مشروعها «الخيري» بتوزيع حصص غذائية على مواطنين مسجّلين في بيروت (لا القاطنين فيها)، تقدّمت نحو 6 شركات، إلا أن ثلاثاً منها فقط استوفت الشروط المطلوبة، على ما تقول مصادر المجلس البلدي. لا أحد يعرف فعلياً ما الآلية التي اتّبعها المجلس البلدي لاختيار الشركات ولا كيفية تقديمها العروض، باستثناء ما يخبره البعض عن وضع الشركات الثلاث السعر في مغلف. فُتحت الأسعار، ليتبيّن أن شركة محمد خالد سنّو قدمت العرض الأدنى بما يعادل ملياراً و200 مليون ليرة لتأمين 20 ألف حصة غذائية تضمّ 18 صنفاً (سكر، أرز أميركي، ملح، حمص حب، فول، عدس حب، عدس مجروش، برغل، حليب بودرة، فاصولياء، زيت نباتي، معكرونة، صلصة، شاي، بسكويت، حلاوة، جبنة مثلثات وطحين). أي أن سعر كرتونة «الإعاشة» الواحدة يبلغ ستين ألف ليرة لبنانية. لكن لأن المجلس البلدي مستعجل لتوزيع المساعدات «في هذا الوضع الصعب»، قرر تبني عروض الشركات الثلاث، سنّو (رئيس اتحاد العائلات البيروتية) و«مكية انترناشينول غروب» (يقول أعضاء البلدية إن مالكها قريب الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية)، شركة السلطان للمواد الغذائية المملوكة من رجل الأعمال عماد الخطيب ومرشح تيار المستقبل السابق في قضاء مرجعيون ــــ حاصبيا. لماذا؟ «توفيراً للوقت إذ يصعب على عارض واحد تأمين 20 ألف حصة في وقت قصير. قبل ذلك سنقترح على الشركتين «غير الفائزتين» خفض عرضيهما الى الحد الأدنى الذي قدّمه سنّو، ثم التوافق في ما بينها على توزيع العمل». الكلام هذا يأتي على لسان بعض أعضاء المجلس البلدي، أما البعض الآخر فيشير الى رغبة رئيس البلدية بارضاء الثلاثة لا لشيء سوى لأنهم جميعاً موالون لتيار المستقبل. وهنا ينبغي طرح سؤال عمّا دفع البلدية إلى حصر الإعلان ضمن جريدتين محسوبتين على خط سياسي واحد («المستقبل») فيما يقتضي القانون أن تعلن في ثلاث صحف من قبل الإدارة (المحافظة) وليس المجلس البلدي. السؤال الآخر يتعلّق بتجاهل إعداد دفتر شروط مصدّق، كما بعدم التقيّد بقانون المحاسبة العمومية الذي يطرح 4 خيارات: مناقصة عمومية، مناقصة محصورة، استدراج عروض واتفاق بالتراضي. لكل حالة شروطها وخصائصها. لكن المجلس البلدي ارتأى القفز فوق القانون «توفيراً للوقت، إذ من الممكن إذا ما لجأنا إلى المناقصة ودفتر الشروط أن تتطلب الإجراءات الروتينية ستة أشهر ما بين المحافظ والداخلية وديوان المحاسبة». لذلك «لم ندعُ الى مناقصة ولا إلى استدراج عروض، بل لجأنا الى خيار ما بينهما»! خيار ليس وارداً في أيّ قانون، بل هو براءة اختراع للبلدية. طبعاً، جرى الأمر بقدر كبير من «الشفافية حرصاً على عدم هدر المال العام».
اعتماد شركات مقرّبة من المستقبل يوحي وكأنّ المشروع «تنفيعة»

ما سبق يشي وكأن هذه المساعدات الغذائية أقرب الى «التنفيعة» والرشوة الانتخابية من حيث طريقة انتقاء الشركات المقربة من تيار المستقبل، فضلاً عن حصر توزيعها بالمسجلين في بيروت لا دافعي الضرائب فيها. إذ يمكن على سبيل المثال أن يستفيد أحد القاطنين في بشامون من الحصص الغذائية، فيما القاطن في أحد أحياء بيروت منذ ولادته، ويدفع ضريبته الى بلدية بيروت، لن يحظى بأي مساعدة لأنه ليس رقماً في الصندوق الانتخابي، علماً بأن البلدية وبحجة «عدم إحراج المواطنين» ستعمد الى توزيع المساعدات عشوائياً على البيارتة، الفقير منهم و«المرتاح مادّياً» على حدّ سواء. كذلك ووفق المعلومات المتوفرة، فإن أيّ مراقبة فعلية لتعبئة الكراتين والمواد الموضّبة فيها، من نوعها، الى تاريخ صلاحيتها، الى وزنها، لن تكون متوفرة. التعويل الوحيد هنا أن يكون هذا المشروع موضع مراقبة وتدقيق من ديوان المحاسبة، فيمنع البلدية من الاستمرار في نهج الزبائنية وهدر المزيد من أموال دافعي الضرائب في بيروت، ولو تحت ستار خيري هذه المرة.