نازعتني النفس أن لا أخوض في موضوع طيران الشرق الأوسط مرة أخرى، ولكن المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الشركة السيد محمد الحوت اضطرني مرة أخرى إلى التعليق على ما ورد فيه.أولاً، ذكر الحوت أن الشركة خسرت 750 مليون دولار قبل تسلّمه رئاسة الشركة. وبخطة إعجازية، تمكن من تطوير الشركة، حتى فاقت الأرباح مليار دولار نهاية العام الفائت. وذكر أن الشركة تتكبّد 35 مليون دولار شهرياً في حال إغلاق مطار بيروت. ومع تشكيكي في الأرقام المذكورة، نسي الحوت أو تناسى أنه بين عامي 1975 و1989 نشبت حرب أهلية ضروس في لبنان وأن مطار بيروت الدولي، الحريري في ما بعد، أُقفل حوالى (30) شهراً بصورة متقطعة، وأن شركات الطيران العالمية أبدت دهشتها لبقاء الشركة على قيد الحياة، وعبَّرت عن ذلك خلال مؤتمر دولي عُقد في القاهرة عام 1994. ويعود الفضل في ذلك إلى موظفي الشركة وطيّاريها وإلى الرؤساء التاريخيين نجيب علم الدين، وأسعد نصر وسليم سلام. والجدير بالذكر أن الموظفين عوقبوا نتيجة تضحياتهم بصرف ما ينيف على 1600 منهم ضمن «الخطة الإصلاحية» التي دعمها سياسيّو لبنان آنئذ، وشارك فيها حاكم مصرف لبنان بهندسة مالية لعلها كانت فاتحة الهندسات المالية المعروفة.
ثانياً: كرر الحوت مقولته بأن شركة طيران الشرق الأوسط هي شركة تجارية وليست شركة عامة. وفي هذا الصدد لا بد لي من طرح الأسئلة التالية:
من يعيّن أعضاء مجلس الإدارة؟ وهل عبر تاريخ الشرق الأوسط، تألّف مجلس إدارة واحد من قبل جمعية عمومية للمساهمين من دون موافقة الدولة اللبنانية؟ أليس صحيحاً أن عقد آخر جمعية عمومية عام 2017 تعرقل ثم أُلغي بسبب خلاف سياسي كما هو معروف؟ هل اشترى مصرف لبنان حصتي Air France وبنك إنترا عام 1996 بأسهم الميدل إيست من دون موافقة الدولة اللبنانية؟ هل امتلاك مصرف لبنان ما يزيد على 99% من أسهم الشركة لا يجعلها حكماً شركة عامة، أم أن مصرف لبنان هو خارج الدولة اللبنانية؟ هل أقرض مصرف لبنان الشركة ما يزيد على (500) مليون دولار في فترات مختلفة، بما في ذلك الهندسة المالية المذكورة سابقاً بفائدة 1% حُوّلت في ما بعد إلى رأس المال باعتبارها شركة تجارية؟
عام 1969 شارفت شركة ليا LIA على الإفلاس. ومنعاً لحصول أزمة عمالية، طلبت الدولة من طيران الشرق الأوسط أن تستوعب جميع موظفي شركة LIA. ومقابل ذلك طلبت الشركة من الدولة تعويضاً عن الكلفة العالية التي سوف تتحمّلها، والامتناع عن الموافقة على إنشاء شركة طيران جديدة لمنع تكرار ما حدث مع LIA . وفي العام 1992، تقدم مجلس إدارتنا بطلب تمديد الفترة 20 عاماً آخر نظراً إلى ظروف الحرب الأهلية اللبنانية وما سبقها من اضطرابات حالت دون أن نستفيد من الموافقة الأولى للدولة، لأنه كان من الطبيعي خلال تلك الفترة أن لا يتقدم أي مستثمر لبناني على إنشاء شركة خاصة. أما بعد انتهاء الحرب، فاحتمال كهذا كبير جداً. وافقت الدولة على التمديد حتى 2012 آخذة في الاعتبار أن الشركة تُعتبر الشركة الوطنية اللبنانية وعانت ما عانته خلال الحرب اللبنانية. انتهت صلاحية التمديد عام 2012، وكان رئيس الشركة ومن ورائه الحاكم بأمر لبنان قد روّجا أن الشركة قد غيّرت من فلسفتها وأصبحت كغيرها من الشركات التجارية تبتغي الربح فقط. إلا أنه بالرغم من ذلك، فقد جرى تمديد الاحتكار لمدة 12 سنة أخرى. والسؤال هنا، هل يمكن لأي شركة تجارية تبتغي الربح فقط أن تُعطى هذا الاحتكار الذي أُعطي سابقاً لشركة وطنية؟ يمكن إغراق هذا الموضوع بكثير من القشور القانونية، ولكن تبقى الحقيقة الساطعة أن الشعب اللبناني يعتبر طيران الشرق الأوسط شركته الوطنية. رحم الله نقيب الصحافة السابق محمد بعلبكي الذي كان يردد من على المنابر مقولته الشهيرة: «هل يمكن أن تتصوروا لبنان من دون شركته الوطنية، أي طيران الشرق الأوسط؟».
قليل من التواضع يا أخ محمد، قد ينير الطريق أمامك. حفظ الله الشركة وأبعدها عن التجاذبات السياسية التي أرهقت هذا البلد الحبيب.

* الرئيس السابق لشركة طيران الشرق الأوسط