«استشهد أخي فواز فؤاد السمّان، 26 عاماً، مُتأثّراً بجراحه نتيجة رصاصة حيّة خلال مواجهات الثوار مع الجيش أمس في طرابلس»، كتبت فاطمة السمّان ناعيةً شقيقها، وصرّحت لعدد من وسائل الإعلام بأنّ «الثورة لن تنسى فواز»، مُدركةً أنّ المعركة لإسقاط النظام ستتسبّب بسقوط الشهداء. كما أنّها رفضت أن يستغل أيّ سياسي ممّن ساهم في تحويل طرابلس إلى واحدة من أفقر المدن على البحر المتوسط، استشهاد شقيقها. فواز كان أحد الشبّان الذين تظاهروا أمس في المدينة الشمالية، رفضاً للفقر والبطالة وارتفاع الأسعار. خطابهم واضح: ضدّ سلطة رأس المال. هاجموا المصارف في ساحة النور، المُستمرة منذ تشرين الأول الماضي في احتجاز ودائع الناس وهدر الدولارات وممارسة الذلّ بحق أصحاب الودائع. حطّموا الواجهات الزجاجية، وآلات الصرّاف الآلي، وكتبوا على بعض الحيطان مبدأ «يسقط حكم المصرف». في مواجهة الحجارة والزجاجات الحارقة، كان ردّ الفعل أمنياً وعسكرياً عنفياً وغير مُبرّر. بعض جنود الجيش اللبناني استخدم الرصاص الحي، فسقط عددٌ من الجرحى، بينهم سمّان الذي تدهورت حالته وتوفي صباح اليوم. رفاق سمّان وعدد من الطرابلسيين، تجمعوا ظهر اليوم لتشييع ابن الـ26 عاماً. انتهوا وعادوا إلى شارع المصارف، حيث حطّموا وأحرقوا عدداً من الفروع، وكتبوا «ثورة على المصرف السارق». وقد لحقت بهم عناصر الجيش، مُطلقةً قنابل مُسيّلة للدموع في محاولةٍ لتفريقهم.من جهتها، أصدرت قيادة الجيش بياناً تُذكّر فيه ببيانها أمس أنّ «عدداً من المندسيّن قاموا بأعمال شغب والتعرّض للممتلكات العامة والخاصة، وإحراق عدد من الفروع المصرفية والتعرض لوحدات الجيش المنتشرة»، وتُضيف بأنّ «40 عسكرياً أُصيبوا، وقد أوقفت وحدات الجيش في المدينة المذكورة 9 أشخاص لإقدامهم على رمي المفرقعات والحجارة على منزل النائب فيصل كرامي، ورشق عناصر الدورية بالحجارة وافتعال أعمال شغب وإحراق ثلاثة مصارف وعدد من الصرّافات الآلية واستهداف آلية عسكرية بزجاجة حارقة، ورمي رمانة يدوية باتجاه عناصر الدورية ما أدّى إلى إصابة ضابط وعسكري، وقد ضبطت مع أحدهم كمية من حشيشة الكيف وذخيرة عائدة لسلاح حربي، كما ضبطت مع شخص آخر 5 قنابل مسيّلة للدموع». تعدّدت «تبريرات» قيادة الجيش، مثل تشديدها على ذكر الـ«مولوتوف» وذخائر سلاح حربي وحشيشة الكيف، في محاولة لإلقاء المسؤولية على المواطنين في ما حدث. ولكنّ المؤسسة العسكرية أغفلت نقطة أساسية هي أنّ من واجباتها ممارسة أقسى درجات ضبط النفس، عوض أن تتحكّم بها «الغرائز» وردود الفعل. لا شيء يُبرّر استخدام القوة في مواجهة مواطنين، وتحديداً الرصاص المطاطي أو الحي على مسافة قريبة، في نيّة لإسقاط جرحى وقتلى. الجيش لا يتحمّل فقط مسؤولية الدم الذي سقط، ولكن مسؤولية «غضّ النظر» عن المجموعة «المُندسّة» التي يعرفها كلّ السياسيين والجهات الأمنية والمواطنين في طرابلس. وقد وصلت إلى القوى الأمنية معلومات قبل أيام عن وجود نيّة لإشعال الشارع، بالتوازي مع المعركة السياسية التي يخوضها تيار المستقبل والحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية ضدّ الحكومة.
الجيش يتحمّل مسؤولية الدم الذي سقط و«غضّ النظر» عن المجموعة «المُندسّة» التي يعرفها


ر. ز.، وأ. ب، وأ. ف.، المعروفون بارتباطاتهم الأمنية وممّن «يعملون على القِطعة»، عادوا منذ قرابة عشرة أيام ليدعوا إلى تحرّكات في الشارع، ومسيرات الدراجات النارية، رافعين شعارات اجتماعية واقتصادية. الأسبوع الماضي، بعث أحد الثلاثة برسالة إلى أحد نواب طرابلس بأنّه «يُريد مبلغاً من المال، وتأمين عيّنات اجتماعية يوزّعها هو على بعض الطرابلسيين، في مقابل أن يتوقّف عن الشتم والتحركات الاحتجاجية». هؤلاء اختفوا فجأةً أمس من الشارع، انسحبوا تحضيراً لـ«جولتهم الجديدة». لم يُهاجمهم أحد، بل فُتحت النار بوجه مُتظاهرين لا أجندات تُسيّرهم. مواطنون يُطالبون بالحدّ الأدنى من دولتهم، ولكنّهم دائماً مُصنّفون في خانات ظالمة لهم. تماماً كما صُوّر خلال التعبئة العامة بأنّ «الأحياء الشعبية» الطرابلسية لا تلتزم بها، فيما الحقيقة أنّ محلات كلّ الأسواق كانت مقفلة، باستثناء «العطّارين» حيث باعة اللحمة والدجاج والخضار، قبل أن تفتح جميعها مع بداية شهر رمضان.
قدرة المواطنين على المقاومة الاقتصادية في هذه المدينة معدومة، مع تسريح موظفين وتخفيض رواتب ونسبة البطالة المرتفعة. يُخبر أحد المسؤولين في إحدى المجموعات الفاعلة في انتفاضة 17 تشرين أنّه «نحن لم نعد قادرين على ضبط الأشخاص المحسوبين علينا، أو الطلب منهم الخروج من الشارع حين يكون مُستخدماً من قبل أزلام القوى السياسية. الناس هم الأكثر تضرّراً من الوضع ويُريدون التعبير عن ذلك». التخوّف الوحيد، «ولكن الأكبر، هو من العودة إلى اصطفاف الـ2005 بين مُعسكرَي 8 و14 آذار، فنكون نحن أكبر الخاسرين منه، لأنّه لن يعود هناك مكان للخطاب المنطقي».
جميع عناصر «الانفجار الاجتماعي» مُجمّعة في طرابلس. يقول المسؤول في تجمّع «نقابيون أحرار»، النقيب السابق لأطباء الأسنان في الشمال، واثق المقدّم إنّ «حجم الفقر والجوع والبطالة في طرابلس، يدفعنا إلى القول الله يستر من حصول أمر ما. الشعب لم يعد قادراً على التحمّل، وفقد الثقة بكلّ شيء». أما الطبقة السياسية، «فلا تشعر بشيء. عطّلت المرافق الستة الرئيسية، ومنعت آلاف فرص العمل، حتى تمسك الناس بعلبة الكرتون (الإعاشة)».