يحاول، منذ أشهر، عمال وميامو الجامعة الأميركيّة، ممن شعروا بتهديد الصرف وإنهاء عقود عملهم، السعي إلى إيجاد «حلفاء» لهم في صفوف النقابات ضمن الجامعة وخارجها. إلا أنّهم - تقريباً - بقوا وحيدين في المواجهة، ما عدا مساندة طلاب وخريجي الجامعة (الذين لا يخشون الصرف) والمجموعات اليساريّة الناشطة في الجامعة، إضافة إلى دعم الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، والمرصد الوطني لحقوق العمّال... إلى تصريحات «متفرّقة» لنقابة عمال ومستخدمي الجامعة التي تمكّنت الإدارة من «تطويق» حركتها، فيما هدّدت الأساتذة بـ«حرمانهم من الامتيازات».قبل الصرف الجماعي الأخير، كانت إدارة الجامعة قد صرفت «بهدوء» نحو 150 مياوماً منذ مطلع العام الجاري، أولئك ذهبت حقوقهم وأعدادهم «فرق عملة». إضافة إلى مئات استغنت عنهم الأسبوع الماضي، «تستعدّ الإدارة لصرف نحو 400 آخرين الخريف المقبل»، وفق مصادر العمال، لكنّنا «نحاول إطلاق تحرّك اعتراضي وتوعية العمال على حقوقهم لأنّ عدداً منهم وقّع براءات الذمّة». ذلك كلّه يحصل في ظلّ تعميق إدارة الجامعة الشرخ بين صفوف العمال والفئات التي تتمتّع بهامش التحرّك. استخدمت الإدارة أساليب عدة لتحقيق غايتها:
- الترهيب ضدّ الأساتذة بـ«حرمانهم من امتيازات عدّة في السكن وتعليم أبنائهم وبطاقات السفر السنويّة والمخصّصات»؛
الطائفيّة «التي يطمئنّ على أساسها عددٌ قليل من العمال إلى أن الصرف لن يطاله، وتالياً لا يرى أن من مصلحته المشاركة في تحرّكاتنا»؛
- ورقة استمرارية العمل «فصارت التضحية بألف عامل حجّة لبقاء 4 آلاف آخرين في عملهم»، بحسب المصادر نفسها.

(هيثم الموسوي)

أسلوب «فرّق تسد» الذي فكّكت عبره السلطة العمل النقابي، تستخدمه إدارة الجامعة حالياً، وهو انسحب على موقف الاتحاد العمّالي العام الذي أبلغ العمال، كما يقولون، بأنه «ما فينا نعملّكم شي، بما أن الأحزاب (التي تتقاسم الاتحاد) اتفقت على تحكيم وزارة العمل».
اتحاد أساتذة الجامعة الأميركية، فضّل، أمس، كما أبلغ «الأخبار»، «عدم التعليق قبل صياغة البيان النهائي» لوقفة احتجاجية، دعا إليها ظهر اليوم، أمام مدخل المركز الطبي، «تضامناً مع العمال والموظّفين الذين تم طردهم ودفاعاً عن حق العمل ورفضاً لسياسات تسليع التعليم العالي وعسكرة العلاقات بين أرباب العمل والموظفين». كما دعا تجمّع الأساتذة المستقلّين إلى المشاركة، «رفضاً للصرف التعسّفي ولتوحيد العمال حول حقوقهم» (صدر بيان متأخر عنه ليل أمس). وكان أساتذة الجامعة قد أبدوا، في آذار الماضي، رغبتهم في مساندة العمال وتشكيل اتحاد معهم، إلا أن «الفكرة أُجهضت». ولا تستبعد مصادر نقابيّة أن «السبب في أن معظم الأساتذة يعملون وفق عقود وهو ما يتيح الاستغناء عنهم، وهذا سينعكس على أعداد المشاركين منهم اليوم... فيما استقطبت الإدارة الأساتذة الذين شكّلوا الاتحاد لمناصب إداريّة».
في المقابل، تمايزت مجموعات يساريّة وطلابيّة بتأخير موعد تظاهرتها بعنوان «سننتزع حقوقنا العمّالية»، إلى الواحدة والنصف ظهر اليوم، أمام الجامعة، «لعدم صبغ تحرّك الأساتذة سياسياً»؛ وهي: نادي السنديانة الحمرا، قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي، مجموعة تأميم المصارف، مجموعة حقوق عاملات وعمال الجامعة الأميركية، بروباغندا، الحركة الشبابية للتغيير، مدى، النادي العلماني وكافِح... وأعلنت في بيانها أمس، أن «لا مناص من توحيد صفوفنا بوجه الجامعة وكل مؤسسات الاستغلال والبطش العمّالي تحت شعار التقشّف والأزمة الاقتصادية»، و«عملية الطرد الأخيرة ليست الأولى، بل إنها تتويج لسياسات طبقية انتهجتها إدارات متعاقبة راكمت خلالها أرباحاً طائلة على حساب العمّال»، فيما «يستمر الإداريون والأساتذة بتلقي رواتبهم الضخمة بالدولار، ويُسلب العمال الكادحون قوت يومهم». وكانت هيئة بيروت الكُبرى في الحزب الشيوعي اللبناني، قد أصدرت بياناً الجمعة، دعت فيه إلى «تأطير العمال في جبهة قادرة على مواجهة الإدارة بما تمثّل»، واعتبرت «أن التوزيع غير العادل للرواتب من قبل إدارة الجامعة يعني أنها تتماهى مع التوجّهات الطبقيّة والسياسية للسلطة، وأنّها ستحمّل كادحي البلد تبِعات الانهيار».
«مواطنون ومواطنات»: ما جرى مجزرة في الجوهر، وفضيحة في الشكل


تجمّع مهنيات ومهنيين بدوره، دعا إلى المشاركة في تحرّكي اليوم، بعد إصداره أول من أمس، بياناً شاجباً لـ«الصرف كنتيجة للنموذج الرأسمالي، وثمن سنوات من فساد وسوء إدارة في الجامعة»، و«ضرورة التحرّك ضدّ المادة 50 من قانون العمل (الصرف بذريعة الإفلاس)». كذلك، دعا تجمّع العاملات والعاملين في المنظّمات غير الحكوميّة إلى المشاركة، وأصدر بياناً أمس، اعتبر فيه أنه «بعيداً من دعاية تروّج لها إدارة الجامعة ورئيسها، على أنها ضحية الأزمة، فإنّها استفادت من الاقتصاد الريعي، مستغلّةً الأزمة الاقتصادية للتغطية على فشلها وسوء تصرفها بالموارد وتستخدم العسكر لقمع الاعتراض». ودعت مجموعة شباب المصرف إلى المشاركة في التحرّكين.
وبالرغم من «عدم انتظام» العمال وخوفهم من التحرّك لعدم خسارة «تعويضات» أعلنت عنها الإدارة، كان الطلاب والخريجون هم الفئة الأكثر ديناميّة ودعماً لهم. أما «إيجاد متضامنين» في صفوف المجموعات الناشطة في الشارع منذ شهور، فكان صعباً، خارج إطار المجموعات اليساريّة والطلابيّة والتجمّعات المهنيّة. إذ قلّما أصدرت «المجموعات الثوريّة» بيانات رسميّة ضد الصرف، بل انفرد عدد من ناشطيها بالتعليق «بعدم إيجاد ما يعبّر أمام دموع المصروفين!»، من دون أن يكون «التعبير» عن سبب الصرف والإدارة التي تقف خلفه «واضحاً». ففي جولة على مجموعات مثل: بيروت مدينتي، أنا خط أحمر، تحالف أساتذة وطلاب جامعيين لثورة لبنان (Alliance)... وسواها، إضافة إلى «عاميّات وشباب وثوار»، ألصقت شعار «17 تشرين» باسمها، لم تعلّق على موضوع الصرف. قد يرى البعض أن التعليق أو التضامن منذ الجمعة، أو إعلان المشاركة في تحرّكات اليوم، مسألة تتكرّر عند أي عملية صرف في أي مؤسسة، إلا أن المختلف في قضيّة مصروفي الجامعة الأميركيّة ليس أنّهم بالمئات وليس أنّهم أُبلغوا في اليوم نفسه وحسب، بل في مشهد العسكرة وقمع الاعتراض الذي جهدت المجموعات الناشطة على شجبه، وخصوصاً أن رئيس الجامعة، فضلو خوري، حاول أن «يتصدّر» مجموعات الانتفاضة وأن يفاوض باسمها مع السلطة، وهو ما يجب أن تحرص المجموعات نفسها على التعبير عن رفضه، كون الانتفاضة انطلقت من مفاهيم العدالة وحقوق المهمّشين والعمال والمياومين والعاطلين من العمل. وبالتواصل مع عدد من المجموعات الأخرى، فإنها أعلنت أنها ستصدر بيانات متأخّرة ليل أمس.
مفوّض العلاقات السياسيّة في حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»، قال في اتصال مع «الأخبار»، إن «الأحداث تتسارع نحو الانهيار الذي دعونا إلى تفاديه، والصرف في الجامعة الأميركيّة لا التباس في موقفنا منه، حتى لو لم نصدر بياناً، فهو في الجوهر مجزرة وفي الشكل فضيحة، والناشطون في الحركة سيشاركون في تحرّكات اليوم».