كرّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في تصريح صحافي مع نظيره اللبناني ناصيف حتي، من وزارة الخارجية اللبنانية، دعوته اللبنانيين إلى مساعدة فرنسا على مساعدتهم، مؤكداً أن بلاده «مستعدة لتجنيد نفسها لأجل لبنان». ولا شك في أن لودريان، حاله حال العديد من السياسيين الفرنسيين من أبناء جيله، الذين تقاعدوا بمعظمهم، لديه ارتباط عاطفي بما سمّاه في تصريحه «نموذج الانفتاح الذي يمثله لبنان». لا وجود لمثل هذا الارتباط العاطفي بلبنان لدى الجيل الجديد المعولم من السياسيين الفرنسيين. لكن لوزير الخارجية الحالي صلة «عاطفية» أخرى، نشأت منذ كان وزيراً للدفاع في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند، مع الإمارات والسعودية. فقد يكون الإنجاز الأبرز في مسيرة جان إيف لودريان السياسية هو صفقات السلاح الضخمة التي نجح في إبرامها مع هذين البلدين، وبتمويل منهما مع مصر، بين عامي 2012 و2015، وقدرت قيمتها الإجمالية بنحو 14 مليار يورو، وهي أضخم مبيعات سلاح لفرنسا في العقدين الماضيين. قد يقول قائل إنه ليس في هذا الأمر أي جديد، وإن فرنسا كانت دوما شريكاً، ثانويا بعد الولايات المتحدة، للدول الخليجية في ميدان التسلح. غير أن ما سُجّل للودريان هو قدرته على الاستفادة من التوتر النسبي في العلاقات بين الدول الخليجية وإدارة أوباما آنذاك، المتّهمة بنظر الأولى بالتخلي عن حلفائها لمصلحة الإخوان المسلمين في تونس ومصر، والتطبيع مع إيران من خلال الاتفاق النووي، لتحقيق اختراق في العلاقات مع هذه الدول وتقديم فرنسا على أنها شريك موثوق لها. اللافت هو أن العديد من المواقف السياسية الصادرة عن وزير الدفاع الاشتراكي السابق، الذي أصبح وزيراً للخارجية منذ أن ألّف ايمانويل ماكرون حكومته الأولى بعد وصوله الى السلطة، بقيت محكومة بهذا الاعتبار، أي كسب ودّ الدول الخليجية، ما يفسّر لهجته الحادة باستمرار ضد إيران. آخر هذه المواقف هو ذلك الذي أطلقه بعد إقدام الولايات المتحدة على اغتيال اللواء قاسم سليماني، إذ اعتبر أن الأخيرة «أخذت قراراً بتصفية الجنرال سليماني لاعتبارات أمنية تخصّها، وأنها لم تطلع فرنسا على قرارها. الجنرال سليماني ليس طفلاً بريئاً، فهو كان مفوّضاً من المرشد الأعلى للقيام بعمليات زعزعة استقرار في كل أنحاء المنطقة». لم يتورّع لودريان، على عكس غالبية المسؤولين الأوروبيين، عن تقديم تبرير لعملية الاغتيال عبر تبنّيه لاتهامات المحور الأميركي - الاسرائيلي - الخليجي بـ«زعزعة الاستقرار» الموجّهة للواء الشهيد. سبقت هذا التصريح مواقف متشددة أخرى للوزير الفرنسي ضد إيران تدعو إلى الحدّ من تطور مشروعها الصاروخي و«احتواء» نفوذها الإقليمي، وهما هدفان يتطابقان مع أهداف المحور المشار اليه سالفاً، حتى ولو أنه حرص على تأكيد ضرورة تلازم الضغوط عليها مع الحوار معها لعدم الانزلاق الى حرب. تظهر هذه المواقف حيال إيران، وكذلك تحالف فرنسا مع السعودية والإمارات في الحرب الدائرة في ليبيا، على رغم وجود اعتبارات خاصة بها وبسياستها الأفريقية تفسر ذلك، بأن تمتين علاقاتها بهاتين الدولتين بات بين ثوابت سياستها في الشرق الأوسط. وليس من المبالغة القول إن وزير الخارجية الفرنسي الذي نجح في أن يكون سابقاً تاجر السلاح الأنجح في بلاده في العقدين الماضيين، قد دفع إلى أن تصبح سياستها الخارجية في الإقليم محكومة إلى درجة كبيرة بصفقات السلاح.