بدت طرابلس في اليومين الماضيين غير معنية بتكليف شخصية منها تأليف الحكومة المقبلة، في مشهد يبدو غريباً في العاصمة الثانية التي نافست العاصمة بيروت دوماً على منصب الرئاسة الثالثة. تكفي جولة في أرجاء المدينة، بعد تكليف ابنها مصطفى أديب تأليف الحكومة، للتأكد من ذلك، وكأنّ من كُلّف ليجلس على كرسي رئاسة الحكومة ليس من المدينة ولا يمتّ إليها بصلة.يوم أُعلن تكليف الرئيس حسّان دياب تأليف حكومته في 19 كانون الأول الماضي، اشتعلت طرابلس غضباً، ويوم استقالت حكومته في 10 آب الماضي اشتعلت المدينة فرحاً، لكن يوم أمس لم يكن المشهد في طرابلس لا هذا ولا ذاك، بل لامبالاة واضحة. لم تظهر أي «يافطة» دعم، ولا صورة للرئيس المكلف، حتى في محيط منزله في محلة المعرض في طرابلس، أو مكان سكن عائلته القديم في الميناء.
يكاد يجمع الطرابلسيون الذين يُسألون عن الأمر على أنّ «عدم وجود حيثية سياسية أو شعبية للرئيس المُكلف حال دون اهتمام المدينة بتكليفه»، معتبرين أنّ الصورة كان يمكن أن تكون مختلفة لو جرى تكليف أحد الرئيسين سعد الحريري أو نجيب ميقاتي، أو أحد النائبين سمير الجسر وفيصل كرامي، أو أحد الوزيرين السابقين رشيد درباس أو ريّا الحسن، مع تفاوت بين الجميع. لكن مع أديب بدت الصورة مفاجئة وغريبة.
الاستثناء الوحيد طرابلسياً في هذا المجال كان في العالم الافتراضي، إذ شهدت وسائل التواصل الاجتماعي ترحيباً بتكليف أديب، لكنه كاد يقتصر على زملائه السابقين الذين عرفوه عندما كان يعمل مديراً لمكتب ميقاتي لأكثر من 12 سنة. لكن على الأرض لا شيء، في مدينة كانت تعتبر عودة رئاسة الحكومة إليها، أو عودتها إلى رئاسة الحكومة، انتصاراً لها، وتأكيداً على ثقلها وتأثيرها في المعادلة السّياسية اللبنانية عموماً والسنّية خصوصاً.
غياب الحيثية السّياسية والشّعبية للرئيس المُكلف جعل الأنظار تتجه صوب تيارَي المستقبل والعزم، علّهما يحرّكان الشارع الطرابلسي دعماً له، ولو شكلياً، وخصوصا أنهما دعما تكليفه علناً، عبر الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، لكن أحداً منهما لم يتحرك، انطلاقاً من أنّ لكل منهما حساباته السّياسية والشخصية على السّاحة في عاصمة الشمال.
وإذا كان الحريري وميقاتي ليسا في وارد دعم أيّ شخصية سياسية سنّية خشية تحوّلها لاحقاً إلى منافس لهما، فإن كلاً منهما نظر إلى الأمر أيضاً من زاويته الخاصة.
يكاد يوجد إجماع عند أغلب المراقبين والمتابعين في طرابلس على أن الحريري سمّى أديب لتكليفه تأليف الحكومة المقبلة من بين عدّة أسماء عرضت عليه لأنه «مُقرّب» من ميقاتي، وإذا نجح الرئيس المكلف في مهمته فسيكون الفضل في ذلك للحريري الذي سمّاه، أما إذا فشل فإنّ تبعة ذلك سترمى على ميقاتي لأنه مُقرّب منه.
ما يحدد نجاحه أو خسارته في طرابلس هي الخدمات التي يمكن أن تقدمها حكومة أديب للمدينة


لكنّ هذه الكأس المرّة أبعدها ميقاتي عنه حتى قبل أن يُسمّى أديب رئيساً مكلفاً بشكل رسمي، ونفض يده منه عندما أعلن أول من أمس، ردّاً على سؤال عن من هو عرّاب الرئيس المكلف، فأجاب: «أتشرّف بأن يكون السفير مصطفى أديب قريباً منّي، ولكن من طرح اسمه هو الرئيس سعد الحريري».
موقف ميقاتي من أديب فُسر في طرابلس على أنه أكثر ليونة من موقفه من الرئيس السابق للحكومة حسّان دياب، فبرغم أن الاثنين خرجا بشكل أو بآخر من تحت عباءته، دياب بوصفه كان وزيراً للتربية في حكومته عام 2011 قبل اختلافهما وابتعادهما، وأديب كان مدير مكتبه لسنوات عدة، يبدو أن رئيس تيار العزم لا يريد تكرار تجربته مع دياب مرة ثانية مع أديب.
مقابل ذلك، يقول بعض من عرفوا أديب عن قرب من أبناء طرابلس، وكانوا زملاء له لسنوات، سواء في مكتب ميقاتي أو في الجامعة اللبنانية، إنه يتمتع بمواصفات شخصية جيدة. أمّا في السياسة، فإنهم «يعيبون» عليه أنه «لا يوجد فريق عمل له، ولا عصبية سياسية أو عائلية أو مناطقية». وبرأي هؤلاء أن مسيرته في مدينته لن تكون سهلة. وما يحدد نجاحه أو خسارته في عاصمة الشمال هي «الخدمات التي يمكن أن يقدمها أديب أو حكومته للمدينة ولأبنائها الذين يحتاجون إلى كلّ شيء تقريباً».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا