كان المكسب، ومن كل الزوايا، صافياً ولا شك!والأرجح أن الرجل، بدليل الصور الموزعة، قد عاش، وبكل جوارحه، زهو اللحظة الاستثنائية التي توفرت له بسهولة غير عادية وتمت لقاء لا شيء تقريباً.
صحيح أن الفرصة لن تسعفه في التخفيف من وطأة تراجعاته الداخلية، إلا أنها وفّرت له، ولو إعلامياً، إمكانية ادعاء الاختلاف والتمايز عن غيره من «البيض» الذين يستبيحون البلد، وقبله المنطقة، بحجة الدعم أو المؤازرة.
لقد نجح إيمانويل ماكرون في «خبطته» السياسية - الثقافية التي استهل بها إغارته اللبنانية الثانية، وأضاف إلى رصيده السياسي، الذي تحدث عنه معتبراً أنه يضعه على المحك لمساعدة لبنان، رصيداً ما كان يفترض بالمعنيين منحه إياه بالسهولة والمجانية التي شهد اللبنانيين بعض وقائعها.
وهنا، السؤال يطرح نفسه، ترى ماذا لو أن السيدة فيروز ربطت موافقتها على اللقاء بالإفراج (أو أقله وعد الإفراج!) عن المناضل الأمميّ جورج إبراهيم عبد الله؟ وهل كان لثمن الموافقة الفرنسية البخس أن يقارن بالمكاسب الرمزية والمعنوية غير المحدودة التي تحصّلت للرجل ولدولته؟ وهنا يمكن المسارعة بالردّ، والقول الأكيد، إن الثمن الفرنسي، ولو تجاوز الإفراج عن مناضلنا المعتقل إلى الاعتذار العلني منه ومن عموم الشعب العربي، ما كان إلا ليكون زهيداً بل وزهيداً جداً مقابل ما وفّره اللقاء من أرباح ومكاسب. والمؤسف أن التمكّن الفرنسي من الأيقونة قد تمّ بطرفة عين، وبيسر ما بعده يسر، بل وبسرعة خاطفة ربما فاجأت الحريصين وأذهلتهم عن التصرف. كان من واجب هؤلاء ومسؤوليتهم مناقشة السيدة وتقديم الاقتراح بوجوب الاستفادة من هذه السانحة وتوظيفها بما يخدم قضية تحرير عبد الله، أو أقله حشر هذا «الفرنسي الجديد» وربط القبول باللقاء بإطلاق السراح الممنوع، إرضاءً وإذعاناً للأبيض الأميركي الذي ما فتئ يمطر بلادنا الشاسعة بالحديد والنار.
الخبث الفرنسي الذي اصطنع جريمة الاختراع والتأسيس المجرم بحق بلادنا، يعود هذه المرة ليطل علينا، ومن غير خجل أو أسف، من باب الفن والثقافة والإبداع العربي الذي تختصر فيروز معانيه ودلالاته الإنسانية والتحررية العميقة.
الاستعادة الإعلامية والسياسية لوقائع إعلان «لبنان الكبير» والمقارنة التي يعقدها هذا الإعلام و«الإعلان» لوقائع «التجديد» المنسوب للسيد ماكرون تفرضان، وربطاً بتسريبات التوبيخ الماكروني لرموز الطبقة السياسية اللبنانية المدينة له وقبله لأسلافه بالوجود والديمومة، اعتبار أن ما يقوم به هذا الفرنسي أقرب ما يكون إلى حالة المجرم الذي لا يملك، ولبواعث نفسية وذهنية معقدة، إلا أن يعاود زيارة مسرح جريمته التي ارتكبها مطالع القرن العشرين. وهو بالضبط ما فعله الأبيض الفرنسي في أرجاء البلد المفتوح على أنواع الزيارات السامة التي تتلطّى خلف حجاب المساعدات والإنقاذ...
يبقى أن نؤكد أن لا مسؤوليات على السيدة التي تصرفت بنبل يعتز بها ويفخر. المسؤولية الكبرى عن المجانية التي وسمت اللقاء، ومكّنت منه، تقع، وبالدرجة الأولى، على المعنيين، ومروحة هؤلاء واسعة، تشمل بعض من في الدائرة الضيقة المحيطة بالسيدة، وتطال من في الدائرة الوطنية والتحررية وتلكؤهم عن ارتكاب بادرة الاتصال بالسيدة فيروز والهمس في أذنها ولفتها إلى ما كان يمكن لها أن تفعله، ولو أنها فعلته لربما كان ذلك كفيلاً بمنح جورج حريته المسفوحة، أو أقله إحراج هذا الزائر الجديد ـ القديم. والأرجح أن ما منع هذه البادرة يكمن، في جزء غير يسير منه، في ما يعتور الثقافة اللبنانية المريضة، والدونية العميقة التي ترى في كل لفتة (أو بادرة على وصف أحدهم) بيضاء عنواناً للارتقاء والتقدم عن باقي المحيط العربي.
ولو فعلتها، لربح أحرار العالم حرية جسد الرفيق جورج...
قليلاً من الخيال يا «أصدقاء جورج إبراهيم عبد الله»!



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا