«نحن دولة تحت الاحتلال»... هكذا قال المفاوض الفلسطيني، صائب عريقات، للإسرائيليين. هناك، بالطبع، مسافة بين القول والفعل. لكن عريقات قدّم اقتراحاً لانضمام «حماس» و«الجهاد» إلى المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. تعلن هذه اللجنة نفسها حكومة «الدولة»، وتستكمل الإجراءات.
الاقتراح واقعي ونضالي معاً. وإذا كان جاداً، فإنه يشكل مخرجاً للحركة الوطنية الفلسطينية من سراديب اتفاقيات أوسلو والتزامات «السلطة» نحو إسرائيل والولايات المتحدة، نحو توحيد الشعب الفلسطيني وراء برنامج عياني للاستقلال والعودة: تحريك الفلسطينيين في الضفة وغزة، نحو الانتفاض السلمي لتحقيق هدفَي إنهاء الاحتلال والدولة المستقلة، المقرّرين لدى الشرعية الدولية، وتحريك اللاجئين، خارج فلسطين، نحو الشروع في عملية نضالية، واسعة ومثابرة، تحت شعار حق العودة. هكذا، يمكن تجديد المشهد الوطني الفلسطيني، واستقطاب الجماهير العربية واليسارية في العالم، وتفعيل دور الأصدقاء الدوليين، خصوصاً روسيا والصين.
ذلك المشهد لم يعد مستحيلاً في ظل المتغيّرات الدولية الحالية؛ فالتوازن بين الشرق والغرب حدث فعلاً في سوريا وإيران وأوكرانيا، وأصبح واضحاً أنه حيثما كان هناك حلفاء محليون ـــ جادون ومصممون ـــ لموسكو، فإن الأخيرة لا تقف مكتوفة الأيدي، ويمكنها أن تفعل الكثير، وخصوصاً أن البرنامج الفلسطيني المقترح يقع تحت عنوان تفعيل وبسط سلطة القانون الدولي. وهو الشعار الذي ترفعه، اليوم، روسيا الاتحادية كأساس لمجمل سياساتها الدولية.
من المؤسف أن العقبة الرئيسية أمام خطوة الخروج من متاهة أوسلو والمفاوضات المزمنة، هي، بالأساس، فلسطينية؛ صحيح أن الرئيس محمود عباس صعّد، بقدر من الجرأة، حين وقّع، على الضد من تل أبيب وواشنطن، وثائق الانضمام إلى الهيئات الدولية، إلا أن ذلك التصعيد لا يزال تفاوضياً، ولا يزال يناور في سياق المفاوضات الثنائية برعاية الأميركيين. المطلوب من فتح وحلفائها، الآن، إظهار الجدية والعزم الكافيين في اتجاه القطيعة مع نهج المفاوضات، نحو الاحتكام الى الشرعية الدولية وقراراتها.
العقبة الفلسطينية الثانية، تأتي من «حماس» التي تتمسك بالسلطة المنفردة في غزة، تحت شعار المقاومة المسلحة، بينما واقع الحال صريح لجهة الالتزام الحمساوي بالهدنة مع إسرائيل، في ظل ميزان قوى لا يسمح، في أحسن الظروف، لـ «حماس» و«الجهاد» معاً، بأكثر من الرد الدفاعي على الاعتداءات الاسرائيلية. وهو ما يمكن أن يستمر في ظل انتفاضة سلمية تحشد أغلبية الفلسطينيين. وعلى كل حال، فالمقاومة، كانت ولا تزال، نهجاً يستخدم كل الوسائل بما فيها السلاح، وليست مجرد سلاح.
بالمقارنة، يظهر الاقتراح الفتحاوي ــــ إذا اتخذ صفة المبادرة ــــ لإعلان اللجنة التنفيذية الموحدة للمنظمة كحكومة دولة تحت الاحتلال، متقدماً، من الناحية السياسية والنضالية معاً، على الطلب الحمساوي إجراء انتخابات في ظل أوسلو. ولكي لا تدفن المحاصصةُ حكومةَ «الدولة»، يمكن أن تتشكّل الأخيرة من ممثل واحد عن كل فصيل، ومستقلين ذوي مكانة.
الوحدة و«الدولة» والانتفاضة الشعبية والدعم الجماهيري العربي والسياسي الدولي، لا تعني انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني غداً، ولكنها تعيد وضع النضال الفلسطيني على السكّة الصحيحة.
فلسطين تحتاج إلى وحدة قواها في حكومة «الدولة» التي تمثّل كل الفلسطينيين في الوطن وخارجه، وتفتح أمامهم السياق السياسي لتجديد الحركة الوطنية الفلسطينية. كذلك، تحتاج «فتح» و«حماس» إليها، لإنقاذ وجودهما السياسي؛ فلا المفاوضات الفتحاوية، ولا «المقاومة» الحمساوية، باتتا تحملان أي أفق للفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، فإن الطرفين يواجهان، بسبب أخطائهما بالدرجة الأولى، عزلة عربية ومخاطر جدية:
* فالحلف السعودي ـــ الإماراتي، يتجه إلى توظيف كل ثقله السياسي والمالي وراء التمرد الدحلاني الذي تحوّل قوة ميدانية، ويحظى بنفوذ لا يستهان به في أوساط فلسطينية. وإذا وقعت عمّان تحت ضغوط حليفيها الخليجيين، واضطرت إلى دعم محمد دحلان، فستواجه «فتح» في الضفة الغربية، مأزقاً حقيقياً. (وتلافي هذا الخطر، في كل الأحوال، يتطلب مبادرة فتحاوية للتفاهم العميق والتنسيق مع الحركة الوطنية الأردنية).
* ومصر السيسي، التي تدعم محمد دحلان أيضاً، لن تدخّر وسعاً لإسقاط السلطة الحمساوية في غزة، كونها تمثّل ــــ وهي، بالفعل، تمثل ــــ بؤرة حليفة للإخوان المسلمين الذين يخوضون حرباً ضد الجيش المصري.
لـ «فتح»، إذاً، مصلحة مباشرة في الانخراط في مشروع سياسي يجمعها مع «حماس». وللأخيرة مصلحة مباشرة في تسليم السلطة في القطاع إلى حكومة وحدة وطنية، هي حكومة المنظمة و«الدولة». بخلاف ذلك، سيرث الدحلانيون رام الله وغزة معاً، ونبدأ فصلاً جديداً من فصول المفاوضات والتنازلات.