قامت صيدا منتفضة في «17 تشرين»، مُتّخذةً من دوّار إيليا مركزاً لـ«ثورتها». اعتصام مفتوح امتد لأشهر، صامداً في وجه كلّ الضغوط التي تعرّض لها، أكان من الأجهزة الأمنية أم الأحزاب الحاكمة، وتحديداً تيار المستقبل الذي لم يرد لأحد أن «يُخلخل» ما يعتبره «باحته الداخلية». جُزء من الدفع الذي مُدّ به حَراك صيدا، أتى من التنظيم الشعبي الناصري، ونشاطه النضالي إلى جانب الطبقات الشعبية الكادحة. هو دورٌ تاريخي، أتت انتفاضة «17 تشرين» لتُكمّله. فلم يكن غريباً على «زعيم التنظيم» أسامة سعد أن يبقى مقبولاً وجوده في الشارع، رغم الحملة الرافضة لوجود السياسيين من نوّاب ووزراء، ويُمكن المقارنة بين «الاحتضان الشعبي» له وبين «حالات مُعارضة» أخرى، حظّر عليها المنتفضون دخول ساحة الشهداء.التلاحم الطبيعي بين الانتفاضة الشعبية والتنظيم الشعبي الناصري، لا يعني أنّه أفلح في التعامل مع الحدث بمستوى أهميته. أو على الأقلّ، هذا ما يُعبّر عنه صيداويون مُقرّبون من «التنظيم» ولا ينتقدونه من خلفية «النقد السلبي». يعتبر هؤلاء أنّ سعد «لم يتعامل كما يجب، وجرى الاكتفاء بدفع الناس للنزول إلى الشارع من دون توحيدهم حول فكرة أو برنامج مُعيّن، وهذا خطأ لأنّه عند أول مفترق يخرجون من الساحات ويُصبح صعباً في ما بعد إعادة دفعهم للتظاهر». الفكرة الأساسية هي أنّ «الشارع نفسه قصير. كانت 17 تشرين فرصة للاستقطاب والتكلّم مع الناس. لم يحصل ذلك. لماذا لم يُشكّل التنظيم لجاناً في الأحياء الشعبية تُقيم حلقات نقاش وتشرح للمواطنين من سرقهم ومكمن العلّة وغيرها؟ لماذا لم يتم التركيز على القواعد، وتمّ الاتكّال أنّنا تيار جماهيري شعبي. أنت يا أسامة سعد كان يجب أن تكون أمَّ وأبا 17 تشرين، هل أضافت هذه السنة شيئاً إلى الرصيد؟»، يسأل هؤلاء.
في اتصال مع «الأخبار»، يُجيب النائب عن صيدا بأنّ «17 تشرين جزء من النضال الطويل للتنظيم الشعبي الناصري، الذي لا يمكن أن نفصل مكوّناته عن بعضها البعض: النضال الوطني والقومي والسياسي والاجتماعي. ما أضافته لنا هذه السنة، هي قدرة الشباب على إيصال رأي التنظيم إلى أوسع مدى، وقد تلقّينا العديد من الردود الإيجابية من مختلف المناطق». لا يُنكر سعد أنّ الزخم «كان يجب أن يكون أكبر»، ويؤكّد أنّه في البداية حصل «إرباكٌ في العمل، إنّما لم نكن غائبين بالمُطلق عن الواقع الشعبي، فالإخوة في التنظيم، خاصة في صيدا، موجودون في كلّ الأحياء ويعملون. صحيح أنّ هذا ليس كلّ طموحنا، والتحديات التي نواجهها بحاجة إلى بذل أضعاف الجهد الذي نقوم به داخل التنظيم». النقد الذاتي الذي يقوم به أسامة سعد «يمتدّ إلى كلّ القوى التغييرية»، مُعتبراً أنّه «ليس المطلوب منّا بالضرورة أن نحسم خياراتنا الكُبرى في هذه المرحلة، بل تجميع القوى التغييرية من مختلف الاتجاهات الفكرية لتحقيق الانتقال السلمي والآمن وإرساء واقع صحّي». ولكن، أليس شكل النظام الجديد جُزءاً أساسياً من الصراع الدائر وتحديد الموقف منه أولوية؟ «لا يجب أن نكون ضدّ توحيد كلّ القوى المعارضة، فليس المطلوب حالياً أن نصوغ برامج متكاملة نهائية».
يُنتقد «التنظيم» بأنّه لم يُوحّد الناس حول فكرة أو برنامج مُعيّن


من قَلب «التنظيم»، ينتقل أسامة سعد لتقييم أوسع لمرحلة «17 تشرين». يقول إنّ التحضيرات لتحركات تحت عناوين تغيير الواقع السياسي بدأت قبل أشهر من «ساعة الصفر». من الإيجابيات التي نتجت عن هذه السنة، «إعادة انخراط شرائح وفئات واسعة من الشباب بالعمل العام بعد سنوات من الانكفاء عن الحياة السياسية». ويُضيف بأنّه «بالتأكيد لا يُمكننا الادّعاء أنّ 17 تشرين حقّقت أهدافاً لها علاقة بمسار التغيير. هي اقتربت من قواعد النظام كثيراً وهزّتها، من دون التمكّن من كسرها. الواقعية الثورية تفرض القول إنّ الموازين لا تسمح الآن بهذا الإنجاز. هذا تحدّ لا يزال أمام 17 تشرين، التي لا تزال روحها الثورية حيّة». يقول إنّ الانتفاضة لم «تتمكّن من بناء قواعد جديدة لنظام جديد، بسبب عدم تشكيل الإطار السياسي الجامع». لماذا لم تلعبوا هذا الدور كتنظيم شعبي ناصري؟ «سعينا ولكن لوحدنا لا يُمكن أن نعمل. البعض أُحبط نتيجة عدم تحقيق الهدف بعد سنة، ولكن لا يجب أن نيأس، فهذه عملية تراكمية وصعبة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا