كل القطاعات تهوي على وقع شحّ الدولار. قطاع الكهرباء لا يزال، رغم سوء أحواله، صامداً بالحدّ الأدنى. لكن صرخة المورّدين والمتعهّدين ومقدّمي الخدمات باتت تهدّد بإمكان توقّف الخدمات في القطاع، بما يقود مجدداً إلى القلق من احتمال العتمة الكاملة. تلك كارثة فعلية تنتظر الناس، إذا لم يعمد المعنيّون الى إيجاد حلول جذرية. لكن في ظل الواقع الراهن، يدرك الجميع أن الأمور تتجه نحو الأسوأ. عبارة «الكارثة» ترد على كل لسان. أكثر من شركة تتمنى الرحيل، مدركة أن كل ما يمكن أن تحصّله من أرباح لم يعد يساوي حتى الكفالات الموضوعة. مع ذلك، فإنّ الكل يتحدث عن الصمود، لكن على أن تلاقيهم وزارة الطاقة وبعدها مصرف لبنان في وسط الطريق. فهي لم تعد قادرة على العمل في ظل عدم قبض مستحقاتها من جهة، واضطرارها إلى تغطية أغلب نفقاتها بالدولار. مؤسسة كهرباء لبنان تغرق في الديون. انخفاض عائداتها ساهم في زيادة عجزها، بما يجعلها غير قادرة حتى على تسديد مستحقات المورّدين بالليرة. حتى لو تمكّنت من ذلك، فهذا يعني خسارة هؤلاء لما يزيد عن 500 في المئة من أموالهم بسبب الفارق بين سعر الصرف الرسمي للدولار وسعر السوق. المعدّات وقطع الغيار كلها تُستورد بالدولار، وفي ظلّ حرمانها من العملة الصعبة لا قدرة لها على تأمين حاجاتها.
(مروان بوحيدر)

قبل انهيار سعر الصرف، لم يكن أيّ من المتعهّدين يعترض على قبض مستحقاته بالليرة، بالرغم من أن العقود تحدّد الدولار عملة للتعاقد. ذلك طبيعيّ عندما كان سعر الصرف ثابتاً، لكن بعد وصول سعره في السوق السوداء إلى 8000 ليرة، مقابل استقرار السعر الرسمي على 1515، لم يعد بالإمكان القبض بالليرة. ولأنّ أيّاً من الشركات غير مستعد لتكبّد هكذا خسارة، بدا ذلك تمهيداً لإمكانية تقنين استيراد المعدات وقطع الغيار الضرورية، وبالتالي التوقف عن العمل تدريجياً. الحديث يشمل هنا كل مستويات العمل: الإنتاج والنقل والتوزيع والمقاولات.
في بداية الصيف، تنفّست تلك الشركات الصعداء. جرى الاتفاق مع مصرف لبنان على تأمين بعض من مستحقاتها بالدولار. الاتفاق قضى بتقسيم الدفعات بين الدولار النقدي والدولار والليرة. وقد شمل كل المتعهدين ولا سيما شركات تشغيل وصيانة المعامل، البواخر التركية، وشركات مقدّمي الخدمات… لكن هذا الاتفاق لم يدم طويلاً. في وزارة الطاقة تأكيد أن مصرف لبنان أوقف الدفع، بعد تعيين نواب الحاكم الذين طلبوا مراجعة هذه الاتفاقات. بالنتيجة، لم يحصل مقدّمو الخدمات على الدولارات الطازجة سوى مرة أو اثنتين. البواخر التركية، نظراً الى ضخامة المبلغ المستحق لها (نحو 150 مليون دولار) حصلت على دفعات أكثر. لكن كل ذلك توقّف تماماً في تشرين الأول. ثمّة من يربط هذا التوقف بكثرة الحديث عن توقف الدعم. من تولّى مسؤولية التحويلات الخارجية كان نائب حاكم مصرف لبنان سليم شاهين. وهو كان قد شكّك بإمكانية تحويل الشركات لأرباحها إلى الخارج، طالباً ضمانات لعدم حدوث ذلك. أمس، عُقد اجتماع بين ممثلي الشركات مقدمة الخدمات وبين المصرف، لمحاولة الإجابة عن عدد من الملاحظات التي أبداها، والتأكيد أن نسبة ثلث المستحقات التي يمكن الحصول عليها بالدولار بالكاد تكفي لتأمين المعدّات الضرورية للحفاظ على استمرارية التوزيع وتأمين خدمات الزبائن.
تشير مصادر الشركات إلى أن الاجتماع كان إيجابياً جداً، حيث أكد نائب الحاكم الحرص التام على القطاع وعلى استمراريته. ومقابل خشية المصرف من تحويل أرباح الشركات إلى الخارج بحجة الدفع للموردين العالميين، تم الاتفاق على أن يعمد المصرف إلى تحويل المبالغ المطلوبة إلى الموردين مباشرة، ومن دون المرور بمقدمي الخدمات، علماً بأن هذا الاتفاق يغطي السنة الحالية والسنة المقبلة. وفيما خرج ممثلو الشركات مطمئنين إلى مجريات الاجتماع، إلا أن أحدهم اعتبر أن العبرة تبقى في السرعة في التنفيذ، لأنه كلما مرّ الوقت ازداد عجزها عن القيام بأعمال الصيانة وتركيب المعدات. تجزم المصادر بأن كلامها ليس تهديداً، بل هو تعبير عن أمر واقع يعانيه كل المتعاقدين مع الدولة.
وزارة الطاقة اقترحت خفض دعم البنزين (زيادة سعره) لتمويل احتياجات قطاع الكهرباء!


بحسب ما تردد، فقد اقترحت وزارة الطاقة في الاجتماعات التنسيقية تخفيض دعم البنزين خمسة في المئة (من 90 إلى 85 في المئة)، على أن تؤول الأموال التي يمكن توفيرها من تخفيف الدعم، والمقدّرة بـ300 مليون دولار سنوياً، إلى المتعهّدين المتعاقدين مع الدولة. ذريعة الوزارة أن هذا المبلغ يمكن أن يضمن استقرار قطاع الكهرباء، من دون أن تكون كلفته كبيرة على الناس، حيث يفترض أن يرتفع سعر صفيحة البنزين ما بين ألف وألف و250 ليرة فقط.
شركة «كارادينز»، التي لديها متأخّرات على الدولة تصل إلى 150 مليون دولار، بما يعادل 10.7 ملايين دولار شهرياً، سبق أن راسلت الوزارة داعيةً إلى الالتزام بالعقد (الدفع بالدولار). تفيد المصادر بأن الشركة، التي تؤمّن ٢٧ في المئة من الإنتاج الإجمالي للكهرباء، لم تهدّد بالرحيل، لكنها لمّحت إليه. مع ذلك، تؤكد هذه المصادر أن الشركة باقية، وكلّ ما تطلبه هو التعاون للحفاظ على قدرتها على تأمين الخدمة. ولذلك، كان الاتفاق على أن تتقاضى ثلث مستحقاتها الشهرية بالدولار، مقابل أن تحصل على الثلثين الباقيين بالدولار والليرة اللبنانية. لكنّها أسوة بغيرها، لم تتقاضَ هذا الشهر مستحقاتها بالدولار الأميركي. تؤكد مصادر وزارة الطاقة أن المجلس المركزي صار أكثر تشدداً بمراقبة الدولارات الخارجة من لبنان. ولذلك، إن التوقف مرتبط بالتأكد من مسار هذه الأموال.

تحتاج توربينات في دير عمار والزهراني إلى صيانة شاملة من قبل الشركة المصنّعة في الأشهر المقبلة


الأسوأ لم يأت بعد. شركتا «Prime South» المشغّلة لمعملَي الزهراني ودير عمار، وMEP، المشغّلة لمعملَي الزوق والجيّة الجديدين، تعانيان للحصول على قطع الغيار التي تضمن استمرارية عمل القطاع. MEP، التي لم تقبض مستحقاتها منذ تسعة أشهر، راسلت كهرباء لبنان أكثر من مرة أيضاً. الشكوى واحدة: لم نعد قادرين على تأمين استمرارية عمل المعامل، بسبب النقص في السيولة. «برايم ساوث» على سبيل المثال، تواجه مشكلة أكثر جدّية. بالرغم من أنها تشترك مع MEP في المعاناة نفسها، إلا أن الخشية من توقّف معملَي دير عمار والزهراني تزداد حدّة، بالنظر إلى كونهما يؤمّنان النسبة الأكبر من الإنتاج. ذلك ليس كل شيء. سبق أن التقى المدير التنفيذي لبرايم ساوث نائبَ حاكم مصرف لبنان، لتحرير مبلغ من المال بالدولارات الطازجة بشكل طارئ. في المعامل، إضافة إلى الصيانة الدورية، تجرى للتوربينات صيانة شاملة كل 40 ألف ساعة (بين أربع وخمس سنوات). هذا الإجراء، بحسب العقد، لا يمكن أن تقوم به سوى الشركة المصنّعة للتوربينات. تشرين الثاني هو موعد الصيانة الشاملة لأحد التوربينات في دير عمار، فيما تتبعه صيانة توربينين في الزهراني في الربيع. عملية الصيانة تلك تكلّف ١٠ ملايين يورو لكل توربين، ويفترض أن يجري التحضير لها قبل شهرين. لم يحصل ذلك، لكن الوعد بدفع الأموال في بداية الشهر الحالي لم يُنفّذ أيضاً. وهذا يقود إلى احتمال تمديد فترة إطفاء التوربين إلى أكثر من شهرين (يمكن أن يطفأ التوربين في الموعد المحدد حتى لو بدأت عملية صيانته، لأن تشغيله يزيد من الأضرار التي يمكن أن تلحق به). وزير الطاقة، بدوره، يؤكد أن الأمر اضطراري، لكنه ينتظر مصرف لبنان.



متى يبدأ ترميم مبنى كهرباء لبنان؟
عمال كهرباء لبنان قلقون على مصيرهم. عدم تحرك المعنيين في إدارة المؤسسة ووزارة الطاقة والحكومة، في سبيل إعادة ترميم المبنى المركزي للمؤسسة قبل حلول فصل الشتاء، طرح لديهم الكثير من علامات الاستفهام. ولذلك، كان على جدول أعمال نقابة عمال ومستخدمي المؤسسة، في اجتماعها الدوري أمس، بند واحد: «مصير العمال والمستخدمين ومصير المبنى المركزي لكهرباء لبنان بعد انفجار ٤ آب الكارثي وما خلّفه من آثار سلبية على مبنى المؤسسة ومستخدميها». وقد أبدت النقابة «توجسّها مما يحاك للعمال والمستخدمين والمؤسسة بعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر على الانفجار»، سائلة عن سبب عدم وجود أي توجه لدى المعنيين للبدء بإعادة الترميم.
وبناءً عليه، أعطت النقابة المسؤولين كافة «فرصة حتى نهاية الشهر الحالي لاتخاذ القرارات المناسبة للبدء بالإصلاحات اللازمة المتعلقة بالمبنى المركزي، وفي حال لم تتلمسّ أي إيجابية يُبنى على الشيء مقتضاه».
في المقابل، استغرب وزير الطاقة، في حديثه إلى «الأخبار» الربط بين مصير العمال ومصير المبنى المركزي، مؤكداً أن ديمومة العمل لا نقاش فيها. أما بخصوص ترميم المبنى، فأوضح أن ذلك يحتاج إلى آليات معقدة وكلفة باهظة، حيث تُقدّر تكاليف الترميم بـ١٦ مليون دولار ومثلها تكاليف إعادة بناء محطة الكهرباء التي تقع أسفل المبنى. وقال إن الوزارة بانتظار حسم مسألة التمويل، إن كان سيؤمن من خلال متبرعين أو من خلال قرض تحصل عليه الدولة. لكنه في كلتا الحالتين أشار إلى أنه حتى لو بدأت الأعمال اليوم، فإنها ستحتاج إلى نحو سنتين لتنتهي. ولهذا، عمدت «كهرباء لبنان» إلى توزيع العمال والمستخدمين بين الغرف الجاهزة التي ركّبت في الباحة الخارجية للمبنى وبين المعامل والمحطات... كما تسعى إلى استئجار مبنى جديد ليحل مكان المبنى المركزي إلى حين ترميمه، علماً بأن اجتماعاً يُعقد اليوم لهذه الغاية، دعي إليه المتعهدون الكبار، لتبيان مدى قدرتهم على المساهمة في تكاليف تجهيز المبنى.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا