ثمة من لا يتعلم من دروس التاريخ، البعيد منه والقريب. وثمة من يضع في رأسه أن فشل التجارب السابقة كان بسبب الأشخاص لا العقلية وآلية التفكير.هذا ما نعيشه اليوم، مع الأسف، في مواجهة تصرف قائد الجيش العماد جوزف عون. الرجل الذي يقول لزواره إنه غير معني برئاسة الجمهورية، يتصرف اليوم على أنه الرئيس الفعلي لا المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية. لا يأبه لأي قانون أو قواعد أو أعراف. لا يهتم لموقف رئيس للجمهورية أو رئيس للحكومة أو حتى وزراء الدفاع. بل حتى لا يريد أن يستمع الى أي رأي آخر داخل الجيش نفسه.
وكما جرت العادة، مع انضمام كل قائد للجيش الى نادي المرشحين للرئاسة، تضجّ داره بالطفيليين، من سياسيين وإعلاميين وقضاة وأمنيين ورجال أعمال ورجال دين وحشود المنافقين، هم أنفسهم الذين اصطفوا سابقاً حول كل من مرّ على هذا المكتب. وهؤلاء، ليس لديهم في جدول أعمالهم سوى مهمة واحدة: زيادة الرصيد عند القائد - الرئيس، تمهيداً لتولي المنصب والدور والحظوة والامتيازات (يا ليت يستعين قائد الجيش بأحد الضباط ليعرض له تاريخ كل من يتطوّع اليوم لتقديم مشورته، ويعرض له سيرتهم خلال العقدين الأخيرين، علّه يعرف مع من يتعامل).
العودة الى قائد الجيش هي مناسبة ما يتسرب من معلومات مصدرها القضاء العسكري وأوساط القائد نفسه، عن أنه قرر، وسوف ينفذ، قرار اعتقال الزميل رضوان مرتضى وسجنه لثلاثة شهور، وأنه «سيُربّي كل من تسوّل له نفسه التعرض للقائد أو الجيش».
وحتى لا يقول لنا أحد إنه لا يعلم ما يحصل، فمن الواجب إطلاع من يهمه الامر على حقائق ما يقوم به قائد الجيش ومنها:
أولاً: لديه عدد من «قضاة غب الطلب»، أولهم المدعي العام العسكري القاضي فادي عقيقي، الذي يبدو أنه تحول الى مفتي البلاط، فنبش في الأوراق وأخرج اجتهاداً يتيح له الادعاء على الزميل رضوان وفقاً لمواد قانونية تجنّبه إحالته الى قانون المطبوعات، وتتيح محاكمته أمام المحكمة العسكرية.
ثانياً: لديه سطوة على قضاة التحقيق العسكريين الذين سيظنّون حتماً بالزميل رضوان، ويطلبون محاكمته بناءً على مواد قانونية تصل عقوبتها إلى السجن لسنتين وليس لثلاثة شهور فقط.
ثالثاً: لديه الضمانة بأن هيئة المحكمة العسكرية ستصدر حكماً يقضي بسجن رضوان ثلاثة شهور على الأقل.
رابعاً: لديه ضمانة بأن لا أحد من السياسيين، سواء من رؤساء أم وزراء أم نواب، سيقف في صف المعترضين على سجن صحافي في العام 2021، بسبب «جريمة القول». وسيضمن موجة تأييد للجيش وجهوده في حماية البلاد من الإرهابيين ومن دعاة الفتنة، سواء كانوا سياسيين أم إعلاميين.
من جانبنا، ليس لدينا ما نقترحه على جوزف عون وعسسه سوى: افتح الزنازين... واستعد!


خامساً: لديه ورشة عمل انطلقت وهي مستمرة، لأجل ضمان «صمت إعلامي» إزاء أي خطوة. بل على العكس، فهو يطلق بواسطة «عسسه» حملة إعلامية ضد كل انتقاد لأدائه، ويسعى الى جعله بين منزلتين: إما هجوم على «الموقع المسيحي الأبرز»، وإما حملة مصدرها حزب الله للسيطرة على قرار المؤسسة العسكرية.
سادساً: ثمة من أقنع قائد الجيش بأن أيّ ردّ فعل على اعتقال مرتضى «سيقتصر على المسلمين فقط»، وبأن «المعركة ستعزز من رصيده عند المسيحيين»، وهو الأهم بالنسبة إليه في معركته الرئاسية الآن.
سابعاً: يؤمن جوزف عون بنظرية «يومين صريخ وبتخلص». ولذلك فهو يكثر أمام كلّ من يحذره من خطورة ما يقوم به، من القول إن الناس ستقف الى جانبه، وإن أحداً لن يهتم بما يقوم به، وسيستعيد «هيبة الجيش» في الداخل والخارج.
عملياً،
في حال لم يبادر النائب العام التمييزي الى «ضبّ» هذه الجرصة وإقناع من يهمّه الأمر بأن الملف الإعلامي له مكان واحد اسمه محكمة المطبوعات،
وفي حال لم يبادر من بيده القرار السياسي الى «وضع حد» لقائد الجيش، والتوضيح له أنه موظف ينفّذ قرارات السلطة السياسية، ومهمته اليوم منع حرق البلديات والسرايات ومؤسسات الدولة والناس على أيدي زعران تربّوا على أيدي أجهزة أمنية كثيرة، من بينها مخابرات الجيش،
وفي حال لم يخرج مِن قلب المؤسسة العسكرية مَن يقول كلمة لحماية المؤسسة قبل أي أحد آخر،
فذلك يعني أنّنا على بُعد وقت ومسافة قصيرين من جريمة كبيرة سيرتكبها قائد الجيش، وسيكون كل من شارك فيها، أمنياً أو قضائياً أو إعلامياً، مسؤولاً عمّا يفعله.
من جانبنا، ليس لدينا ما نقترحه على جوزف عون وعسسه سوى: افتح الزنازين... واستعد!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا