«كان عمري سبع سنوات عندما شاركت للمرة الأولى في تظاهرة تضامنية مرت قرب مدرستي، المقاصد، مع المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، بعد صدور قرار من سلطات الاستعمار الفرنسي بإعدامها. وصلت المسيرة الى ساحة الشهداء ولم أعرف بعدها كيف أعود الى منزلي». كانت هذه المشاركة الخطوة الأولى في مسيرة أنيس النقاش النضالية، التي كثيراً ما قادته بعيداً عن منزل العائلة والأحبّة، وهو من قضى عشر سنوات في السجون الفرنسية بعد محاولة اغتياله لشهبور بختيار، آخر رئيس وزراء لشاه إيران، في فرنسا في 1980. في سنة 1968، وكان في الـ16 من العمر، وبينما كان يقوم بواجب العزاء في بيت أحد الجيران، سمع قصة سيدة فلسطينية من مخيم شاتيلا تعرضت للاعتقال والتعذيب من قبل المكتب الثاني اللبناني آنذاك، الذي كان يلاحق ابنها العضو في حركة فتح. صعق أنيس لما سمعه، وقرر الذهاب مع أصدقاء له لزيارة المخيم ومعرفة المزيد عمّا جرى. «ما رأيتُه في المخيم، ومن أحوال أهله، كان كافياً لأقرر الانضمام إلى فتح. كان لفتح تنظيم ناشط في «المقاصد»، وأصبحت بسرعة أحد أعضائه البارزين». فلسطين أضحت قضية أنيس الأولى والأخيرة، حمل السلاح في صفوف ثورتها وأسهم في جميع معاركها، وجمعته بقادتها وكوادرها ومناضليها صلة أخوية وروحية، إلى درجة أنه قال، بعد خروجه من السجن، ومضيّ سنتين على اغتيال القائد الرمز خليل الوزير: «لقد فقدت أبي الثاني». لكن فلسطين لم تكن بنظر الأخ مازن، وهو الأسم الحركي لأنيس في فتح، مجرد قضية شعب شرّد من أرضه من قبل استعمار استيطاني إحلالي، بل الساحة المركزية في صراع شعوب المنطقة العربية والإسلامية ضد الهيمنة الإمبريالية الأميركية والغربية، وجزءاً لا يتجزأ من نضال شعوب العالم الثالث ضد هذه الهيمنة. هذه الاقتناعات قادته، بين أسباب أخرى، إلى المشاركة مع مناضلين أمميين بينهم كارلوس، في عملية احتجاز وزراء نفط دول «أوبك» في فيينا عام 1975، وإلى التماهي الكامل مع الثورة الإسلامية في إيران التي كان بين أسبابها تحالف نظام الشاه مع الكيان الصهيوني.
فلسطين لم تكن بنظر أنيس مجرد قضية شعب شرّد من أرضه من قبل استعمار استيطاني إحلالي

فلسطين، كعنوان لمعركة تحرير المنطقة من الهيمنة الإمبريالية، جمعت أنيس النقاش بالشهيد محمد صالح الحسيني وبمحسن رفيق دوست ومحسن رضائي وجلال الفارسي وغيرهم من كوادر الثورة في إيران وقادتها. وقد اتضح مع مرور الزمن، وثبات الجمهورية الإسلامية على موقفها المبدئي من القضية الفلسطينية وخيار المقاومة ومناهضة السيطرة الإمبريالية على المنطقة، والأثمان الباهظة التي تكلفتها وما زالت نتيجة لذلك، دقة رؤيته وصوابيتها. وقد توثقت علاقته بعد خروجه من السجن في فرنسا سنة 1990 بقادة المقاومة الإسلامية في لبنان، وفي مقدمتهم الشهيد الحاج عماد مغنية، بعد أن عرفهم في مقتبل شبابهم في أواخر السبعينيات، ورأى في تجربتهم العسكرية والسياسية استمراراً متطوراً لتجربة المقاومة الفلسطينية، ونموذجاً يُحتذى في فلسطين وبقية بلدان المنطقة التي تعرضت للغزو والاحتلال كالعراق وجزء من سوريا.
لقد آمن الأخ مازن بوعود العاصفة، الثورة الفلسطينية ممثلة بفتح عند انطلاقتها، حاله كحال آلاف المناضلين والشهداء الفلسطينيين واللبنانيين والعرب والأمميين، الذين قدموا تضحيات هائلة من أجل تحرير فلسطين والمنطقة من براثن السيطرة الغربية - الصهيونية، وتحقيق تطلعات شعوبها في الوحدة والنهضة والعدالة الاجتماعية. وهي ستبقى نصب أعين الأحرار والقوى الحيّة في هذه الأمة حتى تحققها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا