هرب القاضي طاني لطوف بتثبيته حكم المحكمة العسكرية. لم يُشدد العقوبة على المقدم سوزان الحاج ولم يُبرّئها تماماً. اختار الخيار الأسهل كي يُجنّب نفسه أي استهدافٍ، عوضاً عن إعادة محاكمتها حسب الأصول. فاكتفى بإدانتها بجرم كتم معلومات بملف زياد عيتاني وحكم بسجنها شهرين وبغرامة 200 ألف ليرة بجرم «إهمال إفادة رؤسائها عن مخطط غبش، رغم علمها بذلك»، لكنّه أبطل التعقبات عنها بجرم التدخل بملف فبركة تهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي لعيتاني. وأدان الحكم المقرصن إيلي غبش وعاقبه بالسجن سنة ونصف سنة. لم يعنِ للطّوف شيئاً أنها لم تسلّم هاتفيها للمحققين ولم يستوقفه توجيهها للمقرصن وتحديد الأهداف له. لم يكترث بأنها طلبت منه (وذلك موثق بالمحادثات المكتوبة بينهما) شنّ سلسلة هجمات على مواقع رسمية. لم يسألها عن سبب إصرارها على المقرصن تلفيق جريمة أخرى لصحافي. لم يُكلّف نفسه عناء إعادة استجوابها أصلاً. كلُّ همّه كان إصدار الحكم قبل إحالته على التقاعد قريباً.
(مروان طحطح)

محاكمة سوزان الحاج كانت أقرب إلى مسرحية «بايخة» لتضييع الحقيقة. سواء حكم البداية الصادر قبل سنتين عن المحكمة العسكرية الدائمة، أو الحكم المبرم الذي صدر أمس عن محكمة التمييز العسكرية. حقيقة أنّ ضابطاً استغلّ منصباً حسّاساً يتولّاه لتلفيق جريمة لمواطنٍ بريء بدافع الانتقام، لكنه لا يُحاسب على ذلك. دافع سوزان الحاج كان الانتقام فقط من دون أن يهتزّ لها جفن، بينما يُقتل ضحيتها معنوياً. لم يرقّ قلبها لبريء دخل السجن ظلماً بسببها، بل لاحقت خادمها (المقرصن إيلي غبش الذي وظّفته بصفة عامل نظافة ووعدته بأنّ أحداً لن يطاله وهو تحت جناحها) لتكرر سؤالها عن غريمها الثاني، صحافي ذنبه أنّه كتب مقالاتٍ طالتها، فأرادت محاسبته بتلفيق جريمة شائنة له أيضاً، إلا أنّ كيدها لم ينجح هذه المرة.
لقد كانت سوزان الحاج ضحية في البداية، قبل أن تتحوّل إلى جلّاد. أُطيح بها من مركزها ــــ بسبب «like» على موقع «تويتر» ــــ بأمرٍ ملكي سعودي انصاع له المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بصدرٍ رحب، لكنّ الحاج وجّهت جام غضبها في الاتجاه الخاطئ لينقلب السحر عليها قبل أن تستنفر علاقاتها الواسعة لتحمي نفسها. من في القضاء سيجرؤ على مواجهة من في السياسة؟ معظم أهل القضاء يطالبون بالستر أو يحلمون بمكرمة سياسية قد تسقط عليهم بمنصب سياسي أو وزاري إذا ما أُحيلوا على التقاعد. جنّدت بعلاقاتها وعلاقات زوجها وشقيقه النائب كل مجموعات الضغط. وبعلاقاتها هذه دفعت من تنص وظيفته على المطالبة بالتشدد بحق الموقوفين، إلى أن يترافع مطالباً ببراءتها. خطوة وقف وكلاء الحاج أمامها مشدوهين حيث لا كلام بعد كلام المدعي العام العسكري السابق بيتر جرمانوس الذي برع في الدفاع عن موكلتهم.
وصف القاضي الخوري الحكم على سوزان الحاج بـ«حكم تسوية»، طالباً تصحيح الخلل


لقد ثبّت لطّوف أمس الحكم الذي استعجل في إصداره على عكس عادته. جلسة واحدة حددها ليستمع إلى شهادة عيتاني من باب رفع العتب، ثم ترافع وكلاء الدفاع قبل أن يُصدر حكمه بعد ساعات قليلة وهو ما لا يحصل عادة. حُكمٌ جاء طبق الأصل عن سابقه، وهو حكم وصفه المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري بـ«حكم تسوية». الخوري طلب أمس من محكمة التمييز العسكرية الأخذ بالهدف المقصود من طلب النقض وإعادة المحاكمة المقدَّم منه، وهو ملاحقة كل من ساهم في تلفيق أدلة جرمية بحق زياد عيتاني من خلال التحقيق الأولي لدى جهاز أمن الدولة. وطلب إحالة الأوراق بعد الحكم الى النيابة العامة العسكرية لإجراء التحقيق مع كل من دفع عيتاني إلى الاعتراف بجرم لم يرتكبه.
وقد طلب الخوري تصحيح الخلل في مسار الحكم البدائي العسكري الذي جاء على شكل حكم تسوية، وبالتالي: «إدانة من يفترض إدانته وإنزال العقوبة اللازمة».
صدر الحكم بعد جلسة دامت 5 ساعات استمع فيها لطوف إلى عيتاني والحاج وغبش في ملف فبركة تهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي لعيتاني. بدأت الجلسة بشهادة عيتاني الذي أكد أن ادعاء الحاج عدم معرفتها به غير صحيح، ليعيد سرد ما واجهه خلال التحقيق. فذكر أنّه «في اليوم الثالث لتوقيفه، كان معلقاً من يديه، فحضر عنصران من أمن الدولة وقالا له: هذه هدية سوزان الحاج لك، لكننا نستطيع تخفيف معاناتك شرط الاعتراف بأنّ مشغلتك الإسرائيلية هي التي طلبت منك محاربة الحاج لأنها كانت تُكافح الهجمات الإلكترونية الإسرائيلية». وكشف عيتاني بأن هناك شاهداً جديداً في الملف تواصل معه وأخبره انه تعرض عام 2015 لتهديد من قبل المقدم الحاج بأنها ستلفق له تهمة العمالة مع إسرائيل، لافتاً الى أن اسم هذا الشخص ورقم هاتفه وصورة هويته موجودون في المذكرة الخطية التي قدمها وطلب من المحكمة استدعاءه، إلا أن رئيس المحكمة رفض هذا الطلب، معتبراً الأمر ليس ضمن صلاحياته. كذلك لم يتسلّم القاضي نص شهادة عيتاني مكتوباً، لأنه كان يتصرّف معه على أنه لزوم ما لا يلزم. وترافع وكيل غبش المحامي جهاد لطفي، فاعتبر أن موكله «نفذ قرصنة بيضاء ولا خلفية إجرامية لفعله، وكان هدفه مساعدة الأجهزة الأمنية في كشف شبكات العملاء»، طالباً إعلان براءته.
وترافع أحد وكلاء المقدم الحاج المحامي رشيد درباس، الذي تحدّث عما سماه «صلب موكلته في الإعلام»، مشيراً الى مسرحية جديدة تفبرك من قبل الممثل الذي وصفه بـ«الغبي». وتحدث درباس في مرافعته عن علاقة الصداقة التي تربطه بزوج الحاج المحامي زياد حبيش، معرباً عن استغرابه لأن المدعي العام تحدث عن «إبرام تسوية»، وقال إنّ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية السابق بيتر جرمانوس، الذي ترافع أمام المحكمة العسكرية، «لم يترك لي ما أقوله، وهو من طلب البراءة لموكلتي».
وفي ختام الجلسة، أعطى لطوف الكلام لكل من الحاج وغبش. فطالب الأخير بالعدالة والبراءة، قائلاً إنّ زوجته حامل وستلد قريباً. أما الحاج فروت بغصّة ما وصفته بـ«إنجازات على مدى 17 عاماً في قوى الأمن الداخلي»، معتبرة أنّ ما تتعرض له ظلم كبير وطالبت المحكمة بتبرئتها».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا