رغم حساسية الوضع، لا يمكن الجزم ما إذا كانت «الرادارات الداخلية» قد تعاملت مع مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري (الفرصة الأخيرة كما يحلو للبعض وصفها) مِن باب الحرص على تأليف الحكومة، أو لتضييع مزيد من الوقت تمهيداً للانقلاب عليها. فتقصّي المناخات الإيجابية التي شاعت في الأيام الأخيرة يأتي بنتائج متضاربة، مع ميل أكبر إلى الفشل. الأيام المقبلة ستكون مصيرية لجهة انكشاف مصير المبادرة ومسار التكليف، فيما لا يزال من الصعب توقّع «مصير» الرئيس المكلّف سعد الحريري: هل يستقيل، أم «يلتزِم الأمر» بأن «يبقى مُكلفاً ولا يؤلّف»؟بعيداً عما نُقِل عن الحريري سابقاً بأنه «أبلغَ الرئيس برّي نيته الاعتذار في حال فشلت المبادرة»، وهو ما نفته أوساط معنية بالملف الحكومي تؤكد أن «الحريري لا يُخبِر أحداً بما يريد القيام به»، يقود التحليل إلى أن الرئيس المكلف، في حال لم تصِل المبادرة الى خواتيم سعيدة خلال عشرة أيام أو أسبوعين، سيعتذر حتماً، لأنه يدرك أنه بذلك «يفقد الورقة الداخلية الأخيرة، وهي تمسّك الثنائي الشيعي به، وتحديداً برّي». في وقت لم يعُد لديه ما يُمكنه الركون إليه في الخارج لمساعدته في الاستمرار في «احتجاز» التكليف، قاطعاً على كل القوى الأخرى اتخاذ خيار اللجوء الى خطط بديلة. إذ أنه بات اليوم «عارياً تماماً» من الغطاء الخارجي: باريس لم تعد معه ولا من المتحمّسين له أو المصرّين على حكومة يرأسها، وجلّ «همها» تأليف حكومة تستمر حتى الانتخابات. والقاهرة غادرت مربّع الحماسة للوقوف وراء الحريري ومنعه دوماً حتى من التفكير بخيار الاعتذار. أما الأهم فهو موقف الإمارات التي كانَ الحريري أكثر من يعوّل عليها لتليين الموقف السعودي، خصوصاً أنها، في الأشهر الأخيرة، منعته من التراجع عن قرار تأليف الحكومة. وتقول مصادر مقرّبة من الإماراتيين إنهم «لسبب غير معروف باتوا أخيراً أقل اهتماماً»، تاركين للحريري «حرية التأليف أو الاعتذار». وعليه، فإن فقدان الرافعات الخارجية يُفقد الحريري توازنه، وأي ترنّح في الداخِل سيسقِطه من المعادلة، خصوصاً أن هذا الأمر سيشجّع خصومه على الاستفراد به.
باريس لم تعد معه وحماسة القاهرة خفّت وتراجع الاهتمام الإماراتي


من يستبعدون الاعتذار يرونه انتحاراً لزعيم لن يبقى له سوى «بيت الوسط» يستقبل فيه بعض المقرّبين كلما عاد من عطلة في الخارج، وفتحاً لباب ملفات قضائية قد تستهدف الرجل و«جماعته». صحيح أن هذا يبدو «هزلياً» في بلد تملأه الخطوط الحمر، إلا أنه في مكان ما يثير قلق الرئيس المكلف.
غيرَ أنّ رأياً آخر يؤكد أن الحريري يُمكنه استغلال الاعتذار لمصلحته. وينقل هؤلاء أنه بعد الإطلالة التلفزيونية الأخيرة لمندوب لبنان السابق لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام، والتي كانَ واضحاً أنه يقدّم نفسه من خلالها كمرشّح، أسرّ الحريري أمام مقرّبين بأنه «خالفَ السعوديين عندما كانوا يريدون تسمية سلام، وأنه تحدّاهم بتغطيته تكليف السفير مصطفى أديب ما أزعجهم للغاية». انطلاقاً من ذلك، يتساءل هؤلاء ما إذا كانَ الحريري سيقدِم على خطوتين لنيل رضا الرياض: الأولى تقديم الاعتذار بحجة عدم التنازل أمام الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والظهور بمظهر غير الخاضع لما يريده حزب الله والرئيس بري، وهو ما كانَت الرياض تؤاخذه دوماً. والثاني أن يذهب بعدَ الاعتذار إلى دعم سلام كمرشّح لتأليف الحكومة، ما سيُحرج الأطراف الأخرى التي تُصرّ على أن يحظى أي مرشّح بموافقة الحريري نفسه، منعاً للتوتير والفتنة، فيكون قد لبّى رغبة أخرى للسعوديين علّ ذلِك يدفعهم إلى مراجعة حساباتهم. ووفق هذه الوقائع، يصبح مشروعاً السؤال عن جدوى استكمال الاتصالات بشأن المبادرة، بعدما اتضح، بالأفعال، أن الطرفين المعنيين غير مقتنعين بالمساكنة الحكومية. فهل يكون الأسبوع المقبل أسبوع استعمال أوراق الاحتياط لدى الطرفين في مباراة العهد النهائية؟