الاعلام الصادر عن مدير الواردات في وزارة المالية لؤي الحاج شحادة، حول كيفية احتساب الضريبة على الرواتب والأجور التي تُدفع كلياً أو جزئياً بالعملة الأجنبية. يعني عمليا قراراً بزيادة الضريبة على رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص لأنها مدفوعة بالدولار على اعتبار أن كل أجر يُدفع بالدولار، يجب أن تُحتسب ضريبة الدخل عليه بعد تحويله إلى الليرة على سعر الصرف الفعلي. لكنه قرار لا يميز بين الدولار المدفوع بالشيك المصرفي، والدولار النقدي. وقال شحادة، إن قراره يستند إلى مبدأ المساواة والعدالة بين المكلّفين باعتبار أن هناك من يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية ويدفع ضريبة، ولا يمكن مساواته بمن يتقاضى بالعملة الأجنبية وتحتسب ضريبته بعد احتساب الراتب على أساس سعر صرف الـ1507.5 ليرات وسطياً.
(الأخبار)

باختصار، ليس هناك ما يعطي وزارة المالية الحق بإجراء تدخّل كهذا في ظل تداعيات أزمة تبتلع الأخضر واليابس، وهو إجراء يعني منحه حقّ التمييز بين المكلفين. فهل ستتعامل مع عقود الودائع بالطريقة نفسها؟ أم أنها ستتذرّع بأن الأمر يعود إلى مصرف لبنان لتحديده؟
النظام اللبناني مُنحاز الى رأس المال، وهو يتّسم بانعدام العدالة والمساواة منذ عقود بحسب دراسة ليديا أسود، لكن الواضح اليوم أن هذا النظام لم يتأثّر، كما يبدو، بسقوطه الحرّ، وهو ينحاز مجدداً ضدّ العمّال ورواتبهم. لأن ما قام به شحادة يُصنّف في مسار الانحياز ضدّ العاملين في لبنان، لأن الرواتب انهارت فعليا بعد تدهور سعر الليرة مقابل الدولار بشكل متواصل منذ سنتين. وما يحصل حالياً عبر قيام أصحاب العمل بتسديد أجور العاملين لديهم بالعملة الأجنبية، هو بهدف الحفاظ على هؤلاء العاملين (بعد صرف عدد كبير منهم بهدف تقليص كلفة التشغيل)، وبات أصحاب العمل مُجبَرين على أن يحافظوا على ما تبقى لديهم من عمّال وموظفين والتعويض عليهم في مواجهة «ضريبة التضخّم» التي فرضها الانهيار، والنتائج الناجمة عن طريقة تعامل الحكومة ومصرف لبنان مع الازمة. حيث يتم نفخ معدلات تضخّم الأسعار وجعل الرواتب والأجور بلا قيمة أكثر فأكثر. ما يجعل خيارات العاملين ضيقة بين الهجرة هرباً من تداعيات السقوط الحرّ، أو الحصول على تعويض ضدّ التضخّم إذا كان لديهم الحدّ الأدنى من القناعة بالبقاء.
هل يعاقب من أُتيح له استعادة بعض من قدرته الشرائية السابقة لأن الدولة لم تُتِح ذلك للباقين؟


هكذا، أصبح تعامل الإدارة الضريبية مع الانهيار مماثلاً لتعامل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع الانهيار. فمن أجل إطفاء الخسائر المتراكمة في ميزانيات المصارف ومصرف لبنان، يحفّز سلامة تضخّم الأسعار عبر أسعار الصرف المتعدّدة ومن دون الاعتراف بأيّ منها بشكل واضح يسري على كل التعاملات السوقية، وهو بذلك يفرض ضريبة كبيرة على المجتمع يدفعها المستهلك سواء كان عاملاً أو عاطلاً من العمل. والآن، جاء دور الإدارة الضريبية التي قررت أن تستغلّ هذا المسار أيضاً، لمعاقبة العاملين بأجر، بهدف زيادة قيمة الحاصلات الضريبية وبذريعة أن الرواتب تُدفع بالدولار، وبحجة المساواة مع غيرهم. في الواقع، ما زالت وظيفة الجباية معمّمة في وزارة المال من رأس الهرم ونزولاً، بينما وظيفة الوزارة هي إدارة السياسة المالية، وتأمين الاقتصاد والمجتمع في مواجهة الأزمات. فليقُم وزير المال غازي وزني، أو أياً يكن الوزير الجديد، بوظيفته قبل سلب الناس قدراتهم الشرائية. فليقُم بتوحيد سعر الصرف، وهو المشكلة الفعلية، قبل أن يزيد الضريبة على الرواتب. فليواجه ما يقوم به مصرف لبنان من إفلات للتضخم وتعدّدية في أسعار الصرف. فليقُل لنا لماذا هو ضدّ تعويض تضخّم الأسعار للعاملين في القطاع العام، قبل أن يمدّ يده إلى رواتب العاملين في القطاع الخاص... وعلى افتراض أن الهدف هو المساواة والعدالة الضريبية، فهل يعاقب أولئك الذين أُتيح لهم تحصيل بعض من قدرتهم الشرائية السابقة لأن الدولة لم تُتِح ذلك للباقين؟
المسألة لا يمكن النظر إليها من خلال عيون موظّفي الضرائب الساعين إلى زيادة الإيرادات الضريبية بلا أيّ رؤية اجتماعية واقتصادية تأخذ في الاعتبار وجود انهيار وتعرف كيف تتعامل معه. فالمسألة باتت تتعلق بسعر الصرف المتعدّد في السوق. وواضح ان لا وزني ولا شحادة يملكان الجواب على السؤال الادق: هل اعتمدت الدولة سعر صرف لكل العقود بما فيها عقود العمل، وهل ستتعامل هكذا مع عقود الإيجارات؟ هل ستتعامل هكذا مع عقود الودائع لدى المصارف
من جهة ثانية، تضمن قانون موازنة العام 2019، تعديلا ضريبيا للمادة 58 من قانون ضريبة الدخل وجرت زيادة شطر إضافي إلى شطور ضريبة الدخل، فأُخضع لضريبة بمعدل 25% كلّ من يتقاضى 225 مليون ليرة سنوياً. هكذا، صار كل من يتقاضى اليوم 11 ألف دولار أو أكثر يخضع لهذه الضريبة بمعدّل أعلى من معدّل الضريبة المفروضة على رأس المال (17%). والمشكلة أن هذه الضريبة، ثم طريقة احتسابها على يد شحادة، لم تتزامن مع تعديل في سقوف التنزيلات العائلية التي يُفترض أن تحصل عليها الأسر. وبالتالي فإنه، تقنياً، لا يجوز زيادة الضريبة من دون تعديل الشطور وسقوف التنزيلات العائلية، إلّا إذا كان الهدف ضرب الأسر بشكل قاسٍ في ظلّ تداعيات انهيار يتطلب الخروج منه نحو 19 سنة وفق تقديرات البنك الدولي.