ضباط كثر في الأجهزة الأمنية يتحدّثون عن «إحباط مضاعف» بسبب معاناتهم الشخصية ومعاناة عسكرييهم، ما «يضطرنا أحياناً إلى غضّ النظر عن الالتزام بالدوام أو عن ارتباط عسكريٍّ بعمل آخر». رتباء كثر تقدّموا باستقالاتهم من السلك بعد تلقّيهم عروضاً للعمل في الخارج، إلا أنّ طلباتهم رُفِضت، وألغت القيادة مأذونيات السفر، وأوقفت الانقطاع عن الخدمة والاستيداع الذي كان يعني منح العسكري إجازة من دون راتب لمدة ستة أشهر تُمدد مرة واحدة. وتلفت مصادر أمنية إلى أن اقتراح قبول التسريح يكون مشروطاً بالتنازل عن التعويض لمن يرغب، ما يوفّر على الدولة مليارات الليرات خاصة لمن لديهم خدمة تفوق 20 عاماً، فيما يمكن سدّ النقص بتطويع عناصر شابة لمدة خمس سنوات مقابل طبابة ومن دون تعويض نهاية الخدمة أو منح مدرسية.
عناصر أصيبوا في مكافحة الشغب عولجوا على نفقتهم الخاصة
باختصار، يعيش العسكريون والضباط استنزافاً مستمراً لقدرتهم على الاحتمال، ما يضعهم في حال نفسية واجتماعية سيئة تؤدي إلى مشاكل عائلية ومالية، وربما تدفع بعضهم إلى انحراف مالي. استمرار هذا الوضع يهدّد بانهيار الركيزة الأساسية التي تستند إليها الدولة، خصوصاً مع تأكيد مصادر أمنية فرار أكثر من 1000 عسكري من الجيش، ومئات من عناصر قوى الأمن الداخلي، ونحو ٤٠٠ عنصر من جهاز أمن الدولة. فيما عسكريو الأمن العام ليسوا أفضل حالاً ويُسجّل يومياً امتناع عناصر في هذا الجهاز عن الالتحاق بمراكز خدمتهم.
الجيش وبقية المؤسسات الأمنية تتحفّظ عن الخوض في أعداد الفارّين وتحيط الأمر بكتمان شديد للحفاظ على معنويات العسكريين، إلا أنّها لم تجِد بعد حلاً جذرياً لضمان صمود العسكريين. وحتى الآن، تُعتمد حلول فردية ترقيعية، كاستغلال بعض الضباط لعلاقاتهم الخاصة في الحصول على حصص غذائية شهرية وتوزيعها على عناصرهم، أو محاولتهم التخفيف من ضغط الخدمة اليومية لهؤلاء للتقليل من كلفة تنقلاتهم، فيما يجري التداول باقتراح غير محبّذ لإجراء تشكيلات للعسكريين بحسب أماكن سكنهم. أي أن تكون خدمة ابن البقاع في البقاع وابن الشوف في الشوف وابن عكار في الشمال وابن الجنوب في الجنوب... وهكذا.