عزيزنا العميل XAF80303LIبلغني، بناءً على الطلب، بالتسلسل، كما من مصادر متقاطعة مسؤولة عنكم، وذات صدقيّة مهنية، تقييم أولي، تضمّن إشارات غير إيجابية لناحية النتائج العامة، وسجّلت عليك أنك لم تعد بالنشاط الذي كنت عليه. وحين راجعت، بالتسلسل أيضاً، المعنيين المكلّفين بالتواصل معك، ومع أقرانك المبثوثين في العواصم: في دوائر القرار السياسي والأمني والعسكري، ومنظمات «المجتمع المدني»، ومالكي الصحف والمجلات، والإعلام الإلكتروني وقنوات البث التلفزيوني والإذاعي... وبعضهم ممن يلتقونك، دوريّاً، هنا في واشنطن أو هناك في بيروت، باريس، لندن، لارنكا، اسطنبول، الدوحة، دبي، الرباط، القاهرة... أكّدوا على دقّة التقييم وحرفيّته، وأضافوا إلى التراجع، غير المفهوم، في النشاط وجودة المهام المنفّذة، ملاحظة أقلقتني كثيراً، وهي أن المعلومات والتحليلات المكلف بتوفيرها لم تعد بالجودة السابقة، بل تبيّن أن بعضها يخالف الواقع ولا أساس له بالمرة، أي مفبرك، فحزب الله، مثلاً، يزداد قوة وحضوراً وتأثيراً، وتواصله العسكري والأمني مع فلسطين ومقاوميها يتعزّز. وهذا مما يقلقنا ومعنا أصدقاءنا في إسرائيل وسلالات النفط والغاز، ويتعارض مع مصالح بلادنا العليا.
طبعاً، ساءني الأمر كثيراً واستغربته، وأرجعته إلى طارئ صحي أو اجتماعي ألمّ بك أو بأحدٍ من عائلتك. لكن عند المراجعة ومن ثم التدقيق في سجل «مساهماتك» لاحظت أن ما أسماه التقييم تراجعاً هو في الحقيقة أقرب إلى التدهور منه إلى التراجع. وكدت أغضب، وأتوجّه بمعاقبتك، وحرمانك من بعض المزايا، لولا أن أرشيفك الخاص مثقل بالخدمات الطيبة، ولو أنها لا ترقى، حتى اللحظة، ولا تتناسب مع ما نغدقه عليك، أو نوفّره لك ولعائلتك من أعطيات وامتيازات رفعتك من الحضيض الاجتماعي الذي كنت فيه، ملبساً ومأكلاً. ولولا كرمنا المستمر هذا لهويت من أعلى الدرج إلى حيث كنت، جزءاً من قاعك القديم الذي قد يشتاق إليك إن لم تبادر، من فورك، إلى إصلاح الأمر.
سأتجاهل جزئية المعلومات والتحليلات المفبركة، وأؤجل البحث فيها إلى وقت لاحق، إذ أن ما يهمني، الآن وهنا، هو النشاطية، واستمرار تدفق المعلومات، وتسميم الوعي، خصوصاً أنه وبحسب تقاريرنا الميدانية لا مخاطر أمنية تحيط بعملك، أو بحركتك البتة، بل أن هشاشة البلد وقوة نفوذنا وتغلغله في شرايينه الحيوية، فضلاً عن رصيدنا التاريخي الثابت في البيئات السياسية والاجتماعية والثقافية واستمالتنا لهم بالترغيب وبالترهيب، تجعلنا في غاية الاطمئنان. وعلى ما تعلم فإن نُخبكم هي الأقل وطنية في العالم، وعروضهم للخدمة والبيع والشراء تفوق طلباتنا بأشواط وأشواط وهذا أمر طيّب ويصبّ في صالحنا جميعاً.
من هنا، فإن تذرعك بالمخاطر على ما حاولت الإيحاء به في أكثر من جلسة مع مشغّليك المباشرين لا وجود له بالمرة، ويرسم علامة استفهام حول مدى إخلاصك لنا، إلا إذا كان هناك ما تخفيه، وأرجو ألا يكون الأمر كذلك، لا لخطورته عليك وعلى عملك فحسب بل وعلى مجمل العلاقة التي تربطنا، وهي من البداية إلى النهاية علاقة عمل، ولها قوانينها الصارمة.
أحسب أن السبب في تراجع نشاطك احتمال أن تكون محبطاً جراء الفشل الذريع الذي منيت به خطط حربنا على سوريا، وتمكن النظام وحلفاؤه من الصمود واستعادة المبادرة والقضاء على تشكيلاتنا التابعة من «جيش حرّ» و«داعش» و«نصرة»... إلى آخر المسميات الكاريكاتورية، لكن أعلم أن دمار البنيان وخراب الإنسان الذي أصاب سوريا كان جزءاً محورياً من الخطط وفيه ما يعوض الفشل غير المتوقع، ثم أن حربنا على تلك البلاد لم تتوقف بعد، فضلاً عن أن استثمارنا في الأكراد وشراذمهم يعد بالكثير. كما لا يجب أن يغيب عنك نجاحنا المشهود في تدمير ليبيا وتهشيم مصر وقبلها تحطيم العراق. ثم عليك أن تطمئن إلى أن سوريا هذه التي طالما أقلقتنا وخربت علينا كثيراً لإصرار قادتها على معاكسة رغباتنا، وتحدّيها، يستحيل عليها أن تنهض قبل عقود. أو ربما كان صمود أهل اليمن هو الذي أحبطك ونال من عزيمتك التي يشهد لها رسلنا، وبسببها ارتقيت بأسرع من زملائك. أو قد تكون قلقاً وخائفاً، كحال مستحاثات السلالات الحاكمة في الخليج في السعودية وقطر والإمارات الذين يعيشون كابوساً متصلاً يجعل أسنانهم تصطك وسيقانهم ترتجف جراء مباشرتنا مفاوضة الإيرانيين. أو قد تكون فلسطين ونجاح مقاومة أهل غزة هي السبب في فتور همّتك وتراجع نشاطك. إذا كان الأمر كذلك، والأرجح أنه كذلك، لكونه الموضوع الأساس في عقل أهل المنطقة وقلبها، وإصرارهم على استرجاعها لا يوازيه إصرار، فثق أن الأمر لن يطول قبل أن نبدّد أحلامهم التي ما كانت لتتجدد لولا حسن نصرالله ورفاقه الذين أتعبونا كثيراً واستعصوا على الإغراءات والتهديدات الكثيرة التي وجّهناها لهم، فالجماعة على قدر لافت من الصلابة والثقة والعزم، ولم يسبق لنا أن واجهنا عدواً بهذه الصفات إلا في فيتنام وكوبا وأنحاء أخرى يفوتني تذكّرها. ومع ذلك فالأكيد أننا سنعالج الأمر، وها قد بدأنا من خلال الاعتماد على جماعتنا في السعودية والإمارات وقطر ومصر، وما التطبيع المتسارع إلا أحد هذه الخطوات التي لا بد أن تعجّل في نهاية، أو أقله إضعاف، هذه القوة الغريبة العجيبة والعصية على الفهم.
ما يهمنا هو ألا تشغل نفسك بما يتجاوز ما أنت مكلف به. فكّر بدورك وبالمهام المطلوبة منك وأترك الباقي لنا. أما إذا كانت القضية هي خوفك من احتمال النبذ الاجتماعي، وهذا ما استبعده بشدة لا لشيء إلا لمعرفتنا بك، ومعرفتنا بجرأتك على كسر الثوابت الوطنية والقومية وتجاوز المبادئ الإنسانية وتجاهل القيم وازدرائك الشجاع للأخلاق.
لا تنسَ التصويب الدائم على حزب الله المسؤول عن الانهيار والعربي وكل مآسي الأرض


ثم أننا عهدناك لا تستحي. والمثل يقول: «إن لم تستح...»، وأنت لا تستحي ولا تعرف الحياء من أصله فلا تتردد أبداً، وتابع العمل على المهام الموكلة إليك: اكتب، وقّع، ارسم، انحت، صمّم، لحّن، ارقص، غنِّ... افعل ما شئت ولا تهتم بأن يصدقك أحد. ففي ذلك مضيعة للوقت والمال. نعم المال. وهل هناك ما هو أهم من المال، فهو القوة التي تدكّ الحصون وتخترق الدفاعات وتفتح القريحة وتحرّض الخيال وتكتب الكلمة وتنظم القصيدة وتصنع المقال وترسم اللوحة وتطبع الكتاب. المال هو كل شيء، فاهتم بالحصول عليه، ولا تتوقف عند الكيفية. المال ونقطة على السطر. فالمال يشتري المنزل والسيارة وبطاقات السفر، ويشتري، أيضاً، الضمير والأخلاق والقيم ويصنع السعادة... إلخ. لا تهتم بكل ما يقال، واعلم أن ما تسمعه من أحاديث الوطنية والقومية هي محض هراء وأوهام لا أساس لها من الصحة، واعلم أن نلسون مانديلا وغسان كنفاني وتشي غيفارا وسلفادور الليندي وجورج حبش ووديع حدّاد وعماد مغنية وإبراهيم هنانو وباسل الأعرج وغيرهم مجانين أضاعوا حياتهم في ما لا طائل منه. المال وتدفقه هو الأساس. انظر ودقّق، واسأل نفسك: لو أن «المفكر العربي» فكّر قليلاً هل كان وصل إلى هذا الذي وصله؟ انظر إلى فؤاد عجمي وكنعان مكيّة وغيرهما... عليك بالتعلم من هؤلاء والسير على خطاهم. المهم أن تؤكد لمشغليك جدارتك واستعدادك اليومي لتنفيذ ما يراد منك تنفيذه وكفى.
المهم هو أن ترضي حسابك في المصرف وتلبي حاجته إلى النمو وليكن هذا النمو متسارعاً وبلا إبطاء، ومدخلك إلى هذا هو الاستمرار في العمل والتفاني فيه، فمن يعلم ربما جاء يوم استغنينا فيه عنك وعن خدماتك، وحينها لن يكون بمقدوري مساعدتك. إن حفاظك على موقعك وتقدمك فيه مرهون بتفانيك. انظر إلى رجالات ونساء الصف الأول في بلدك وتعلم منهم كيفية الطاعة ومعنى الولاء. انظر إلى أقرانك من الكتبة والمثقفين والباحثين وحشد السياسيين والناشطين والفنانين الذين لا يشغلهم شاغل عن خدمتنا وحتى تلبية رغباتنا المضمرة. فكر بالإقامة الذهبية وما تعنيه من مكاسب. المهم للإنسان أن يربح العالم ويخسر نفسه. نعم، هذا هو الصواب وكل ما هو معاكس لا معنى له ولا قيمة. أم أنك تريد أن تتغابى وتفعل مثلما فعل مؤخراً الرياضي الجزائري فتحي نورين؟ فهذا الأحمق ما زال يردد الكلام الخشبي الذي أكل عليه الدهر وشرب. نحن في عالم حقيقي لا معنى فيه للعدالة والضمير والأخلاق والإنسانية وباقي المثل المشتقة أو المتصلة. الخلاص في أن تبقى قريباً من أصحاب المال والسلطة وليكن من بعدك الطوفان، وليقولوا عنك سافل ومنحط وعديم الأخلاق بل وخائن للإنسان. ليقولوا ما شاؤوا. المهم أن تبتعد عن الفقر ولو كلفك ذلك عار العالم. المهم أن تتقدم وتنجح في إثبات أنك جدير بثقتنا، لذلك دع عنك الأفكار المسبقة والنمطية، فأنت، بداية ونهاية، ومن حيث تعي أو لا تعي، ترفع لواء الحرية المقدس وأحد مقاتليها، وهذا فخر يسعى إليه غير عميل في غير بلد وبقعة من العالم.
آمل أن تساهم الهدية المالية السخية المرفقة في تبديد هواجسك وتحفيز رغباتك وتجديد نشاطك، ومعاودة استئناف التعاون بالوتيرة التي عهدناها منك. وإننا على ثقة مطلقة بموت ضميرك واحتقارك للمبادئ، ولهذه الأسباب وغيرها فتحنا لك الأبواب وعلقنا عليك الآمال. فابق على ما أنت عليه من صفات وخصال فهي الجالبة للمال والجاه، وثق أننا سنجعلك قريباً تُحقّق حلمك بالتكريس الثقافي الذي ترنو إليه، وبالمنصب الوزاري الذي حدثتنا عنه، بعدما سبق وحقّقنا حلمك النيابي وحصّناك بجعلك ناطقاً بإسم الشعب. ولا تنسَ أنني من الذين وقفوا قربك وغفروا لك آثام ماضيك اليساري البائس، وساعدوك في التخلص منه و«الولادة من جديد». فكنت الصحافي والكاتب والمسرحي والشاعر والأديب والأكاديمي والنائب المحصّن وغداً الوزير المقرر، وربما ما هو أعلى، فالعرف الطائفي المعمول به عندكم يسمح بتصعيدك إلى الموقع الأول أو الثاني أو الثالث... لكنني لا أستطيع التغاضي عن أي تقصير. تابع تخصّصك في الكتابة والهجوم على سوريا وإيران ولا تنسَ التصويب الدائم والمتكرر، كما تفعل اليوم، على حزب الله، وركز على نغمة أنه المسؤول عن الانهيار اللبناني والمسبّب الوحيد له، وكذلك الانهيار العربي وكل مآسي الأرض. كما لا تنسَ، وأنت لا تنسى، أن تزيّن أهمية الحياد وترنيمة الإزدهار الذي سيليه، على نحو ما فعلت وتفعل في أكثر من مقال أو بحث أو كتاب أو محاضرة أو خطاب أو إطلالة تلفزيونية.
هامش: على ذمة الترجمة الدقيقة لتصريحاتك وكفاءة مترجمي الوكالة في واشنطن، اسمح لي بالتعبير عن إعجابي بما تكتب أو تقول، وأسجل لك، في الشكل، براعة الصوغ وفن الاختصار وسيولة العبارة. أما في المضمون فأجدك تشخصن الصراع، وفي أحيان كثيرة لا تُحسن فهم ما تكتب عنه، فتقع في محظور الببغائية والتكرار. كما أسجل أنك، في أحيان، لا تملك ما يُقال أو يُكتب فتغرق في تدبيج ترهات لا قيمة لها. كما ويخجلني تجاهلك الفاقع لقضايا لا يجدر بمن هو في موقعك أن يتجاهلها. عهدنا بك أنك أرقى من الآخرين وعليك أن تبقى كذلك، بعيداً عن «بوقية» الشتيمة والإسفاف. وأختم بتهنئتك على ديوانك الجديد، وثنائي على مسرحيتك الأخيرة، وافتتاني بسينماك وإعجابي بلوحاتك... طبعاً أفهم أن ثقل المهام وتعقيدات الصراع تجعلك تبدو في أحيان كثيرة أبلهاً وعرضة للتهكم، لكن لا عليك، المهم هو الاستمرار في بث السموم، والتركيز على مسؤولية حزب الله وقبله جمال عبد الناصر وكل من تجرأ على مقارعتنا، عن التخلف العربي، والإشادة المرة تلو المرة بحضارة الغرب وديمقراطيته ولو أن ذلك لم يعد بالسهولة السابقة، فتسريبات ويكيليكس، وانكشاف ارتكاباتنا في سوريا وقبلها العراق ومن بعدها اليمن وليبيا ترك أثره الواضح على صورتنا وجاذبية هذه الصورة، لكن لا بأس، فرهاننا هو على كي الوعي، وهو ما نفعله عبر إعلامنا وأفلامنا وصحافيينا وعسكرنا ورجال سياستنا...
يبقى أن أوصيك ومن خلالك باقي العملاء الأعزاء بالتركيز على جبه هذه الحملات وتسخيف تلك الوقائع. كما من المهم التركيز على مسألة تفريغ انتصارات «حزب الله» وتسخيفها، في كل آن وكل حين. فهذا الخصم العنيد والماكر يقضّ مضاجع أصدقائنا في إسرائيل، وأنت خير العالمين بوريدية ما يجمعنا بهذه الواحة المستقرة.
يبقى أن أقول إن اعتمادنا عليكم كبير فأنتم أعيننا وأيدينا وخنجرنا وسيفنا ومسدسنا وقنبلتنا وطائرتنا وصاروخنا وعبوتنا الناسفة. واطمئن إلى المستقبل، وفي حال وقوع الأسوأ فطائراتنا جاهزة لتحميلكم على نحو ما نفعل اليوم بزملائكم الأفغان.
امض إلى الأمام ولا تخف، فأنت تعمل لصالح الدولة الأعظم في العالم.
بانتظار الأفعال لا الأقوال. وللبحث صلة وصلة...