أنهى العدو الإسرائيلي، فجر أمس، هجماته على لبنان، مع تهديدات بالعودة إليها إن استأنفت «المنظمات الفلسطينية» إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة. الرد هذه المرة شذّ عن ردود كانت «إسرائيل» تحرص عليها في السابق، كي لا «تستفزّ» الجانب اللبناني، فقررت أول من أمس، وصولاً إلى فجر أمس، الترقّي درجة شكلية إضافية ذات دلالات عبر استخدام سلاح الجو، ليقصف إلى جانب المدفعية، الفلوات في جنوب لبنان.وإن كان سلاح الجو الإسرائيلي لم يستخدم في عمليات قصف الأراضي اللبنانية منذ سنوات طويلة، إلا أن استخدامه لم يكن مرتبطاً بقواعد الاشتباك التي تحكم مقاربة «إسرائيل» للساحة اللبنانية، وهو ما حرصت على التأكيد عليه، على لسان مسؤوليها العسكريين مع توضيحات لافتة، عبر المراسلين في الإعلام العبري.
ومما ورد من تعليقات إسرائيلية واكبت «دفعات الرد» على «الصواريخ الفلسطينية التي أطلقت من لبنان»، جاء التأكيد على اتجاهين اثنين:
الرد هو رسالة قوة إسرائيلية تشير إلى من في لبنان، بأنها متوثّبة للرد أكثر فأكثر على أي استهداف مقبل للأراضي الإسرائيلية، بعدما بات إطلاق الصواريخ يتحول إلى نوع من «الروتين»؛ لكن مع حرص أيضاً على أن لا يتسبّب ذلك بـ«تقديرات مغلوطة» لدى حزب الله، يخلص من خلالها إلى أن «إسرائيل» متوثّبة لتنفيذ عمليات في الساحة اللبنانية، بعيداً عن معادلة الرد على الصواريخ.
بالطبع، التأكيدات الإسرائيلية كما وردت، لا تلغي أن ردّها كاد أن يلامس خطوطاً حمراء يفترض أنها تحكم مقاربة تل أبيب للساحة اللبنانية، وإن جاءت اعتداءاتها ضمن مستويات الرد على عمليات مبادر إليها ضدها. وهو ما يستلزم البحث في دلالاته.
في الوقت نفسه، لم يأت الرد بلا محفزات أحرجت صاحب القرار في تل أبيب كي يردّ بأقصى ما يمكن، وإن ضمن سقوف «الممكن العملياتي» مع الساحة اللبنانية، من دون إثارتها في المقابل:
ــــ عمليات إطلاق الصواريخ من لبنان، كادت أن تتحول الى حوادث عادية في الساحة الشمالية بعدما تكررت في الأشهر الأخيرة بوتيرة عالية (5 مرات منذ أيار الماضي)، مع ردود إسرائيلية متواضعة جداً، من شأنها أن تشجع على المزيد منها، وهو ما يتعذّر على «إسرائيل»، وعلى الحكومة الجديدة فيها التي تريد أن تظهر متمايزة عن الحكومة السابقة، بكل ما يتعلق بالتهديدات الأمنية.
غلعاد: حزب الله مشغول ببناء قوة خطيرة جداً ضدّ «إسرائيل»


ــــ جاء الهجوم الصاروخي من لبنان، في موازاة سعي إسرائيلي لتظهير الجهوزية والتوثب لاستخدام القوة العسكرية، ابتداءً ورداً، ضد محور أعدائها، مع محاولة تحريض الولايات المتحدة للاعتداء على إيران، بعد اتهامها لها بأنها هي التي استهدفت سفينة تجارية بملكية إسرائيلية يوم الجمعة الماضي في خليج عُمان. والرد المتواضع والمحدود، على إطلاق الصواريخ من لبنان، لا يتساوق مع إرادة تظهير الجهوزية والتوثب، لخوض مواجهات عسكرية، يفترض أن لبنان جزء من ساحاتها.
ــــ كان الحريق الذي تسبّب به أحد الصاروخين، أول من أمس، يتمدّد من دون القدرة على احتوائه. وقد واكبت النيران في الأحراج القريبة من مستوطنة كريات شمونة، زمانياً حتى ساعة متأخرة جداً من ليلة الأربعاء ــــ الخميس، كل دفعات الرد الإسرائيلية، لتظهر وكأن الرد لا ينتهي إلا بانتهائها.
وفي توصيف لثبات المعادلات مع الساحة اللبنانية، رغم إطلاق الصواريخ والرد عليها، والتأكيد على أن ثباتها مبنيّ على الردع وإرادة «إسرائيل» بألّا تنجرّ إلى مواجهة لا تريدها في مواجهة حزب الله، قال الرئيس السابق للدائرة الأمنية السياسية في وزارة الأمن الإسرائيلية، الرئيس الحالي لمؤتمرات مركز هرتسليا، اللواء عاموس غلعاد، «إنّ لِما حصل جانبين، الأول إيجابي والثاني سلبي؛ الإيجابي هو أننا لسنا على حافة المواجهة مع حزب الله، إلا إذا خرجت الأمور عن السيطرة، أما السلبي فهو أن حزب الله مشغول ببناء قوة خطيرة جداً ضد إسرائيل. التحدّي هو: كيف نعالج هذا التهديد من دون الدخول في مواجهة شاملة».