بعد ستّة عقود، في آب 2013، اعترفت الاستخبارات الأميركية بدورها المركزي في الانقلاب الذي أطاح بحكومة الدكتور محمد مصدّق الوطنية في ايران. هذا الأمر لم يكن سرّاً بالنسبة للقاصي والدّاني، وحتى الاسم المشفّر للمؤامرة، TPAJAX، كان معروفاً منذ زمنٍ بعيد. غير أن المهم هو ما تضمّنه هذا الاعتراف من إقرار بأهميّة حرب الشائعات والدعاية المعادية لمصدّق، أو البروباغاندا كما ورد في الوثائق التي أفرجت عنها، في التمهيد للانقلاب. هدف هذه البروباغاندا كان تقسيم القاعدة الشعبية المؤيّدة للقرار التاريخي بتأميم النفط الايراني الذي اتخذه مصدّق. وفي الواقع، فإن هذا القرار جاء تلبيةً لمطالب غالبية الشعب الايراني وقواه الوطنية المختلفة، الإسلامية والعلمانية، التي خاضت نضالاً مريراً من أجل تحرير نفط البلاد الذي سطت عليه بريطانيا، بفعل الامتيازات التي منحها إيّاها الشاه، عبر شركة النفط الأنكلو - إيرانية. وفي 4 تشرين الثاني 1949، اغتالت حركة «فدائيان إسلام»، إحدى الفصائل الوطنية البارزة، رئيس وزراء الشاه عبد الحسين هجير، المعادي لتأميم النفط، والذي تدخل في مسار الانتخابات التشريعية لمنع مرشحي القوى الوطنية المؤيدين للتأميم من الفوز. تم انتخاب هؤلاء المرشحين، وتحديداً الدكتور مصدّق وآية الله كاشاني، في الانتخابات التشريعية الحرة التي جرت بعد سنة ونيّف من الاغتيال. طرح مصدّق لائحة تأميم النفط بتأييد من آية الله كاشاني، الذي سيّر تظاهرات جماهيرية ضخمة عمّت البلاد، داعمة لهذا القرار، مما اضطر الشاه للموافقة على تعيين مصدّق رئيساً للوزراء. وبعد يومين من تعيينه، أمّم الأخير النفط، وهي خطوة كان لها وقع كبير في أرجاء جنوب العالم المستعمر أو شبه المستعمر، باعتبارها مثالاً يُحتذى لاستعادة الدول المستقلة سيادتها على مواردها الوطنية واستخدامها في عملية التنمية. هذا الانتصار الكبير كان نتاجاً مباشراً لوحدة الشعب الايراني ومكوّنات حركته الوطنية، الإسلامية والعلمانية. لذلك، وفي الأسابيع اللّاحقة، بات الهدف الرئيس للولايات المتحدة وبريطانيا وأنصار النظام الشاهنشاهي هو الوقيعة بين هذه المكونات، لإسقاط الحكومة التي اتخذت قرار التأميم. بدأت حملة دعائية منظمة وحرب شائعات لتحقيق هذه الغاية، وحرّكت الاستخبارات البريطانية والاميركية مجاميع مرتبطةً بها لإثارة الفتنة بين الطرفين، فذهب بعضها لشتم علماء الدين على مداخل المساجد، وتكاثر الحديث عن تغلغل الشيوعيّين في مواقع مفصليّة داخل مؤسسات الدولة الإيرانية، وافتُعلت صدامات عديدة بين أنصار التيّارين الإسلامي والعلماني. نجحت هذه الاستراتيجية في دق إسفين بين التيّارَين مهد الطريق للانقلاب الذي أطاح بحكومة مصدّق. ومثّل نجاح هذا المخطّط سابقةً أدّت إلى اعتماد المخابرات الاميركية مخطّطات مشابهة لإسقاط حكوماتٍ وطنيّة أخرى في بلدان الجنوب.