يُريد رئيس مجلس النواب نبيه برّي تعيين مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، يوسف خليل، وزيراً للمالية. يُريد رئيس الحكومة المُكلّف نجيب ميقاتي تعيين الخبيرة الأولى في شؤون الحماية الاجتماعية والعمل والجندرة في البنك الدولي، حنين السيّد، وزيرةً للاقتصاد. وما بين البنك المركزي الذي أوصلت سياساته إلى الانهيار، والمؤسسات الدولية التي تتحيّن الفرصة المناسبة لفرض «انتداب» جديد على لبنان من بوّابة «المساعدات»، يأمل البعض أن يخرج لبنان فعلاً من أزمته. وفق هذه العقلية، تُخاض المفاوضات لتأليف الحكومة الجديدة واختيار أسماء الوزراء.بالأصل، مجرّد تسمية ميقاتي لتأليف الحكومة ــــ وقبله سعد الحريري ــــ المُنتميَين إلى طبقة «الامتيازات» المالية والسياسية والاقتصادية والملتزمين بتأمين مصالح الـ«1%» على حساب عامة المجتمع، يُشكّل مؤشراً حول الآلية التي ستُدار من خلالها مؤسسات الدولة للخروج من الأزمة، فكيف الحال إذا كان وزيرا المالية والاقتصاد، المفترض بهما قيادة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية، يتشاركان العقلية نفسها مع من تسبّب بالأزمة؟
خلال السنوات الماضية، لم تعتبر أكثرية القوى السياسية وزارة الاقتصاد صيداً ثميناً، وبالتالي لم تُشكّل مطلباً أساسياً لها، على العكس من المرحلة الحالية، فيتنافس عليها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكلّف. أراد الرئيس ميشال عون تسمية أيمن حدّاد (طرحه النائب جبران باسيل منذ أيام تأليف حكومة حسّان دياب، وهو كان مستشاراً لثلاثة وزراء اقتصاد، وعمل في مؤسسات مالية وشركات محاسبة عالمية)، قبل الحديث عن سحب اسم حدّاد وتسمية المدير العام لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع يوسف جحا، بتزكية من الوزير السابق سليم جريصاتي. هدف رئاسة الجمهورية من المطالبة بوزارة الاقتصاد «تسمية شخص يفهم بالاقتصاد الكلّي، وبدوائر وزارة الاقتصاد وآليات عملها، ويهتم بملفات حماية المستهلك ومكافحة الاحتكار وقانون التنافسية»، تقول مصادر معنية. أما الأساس فهو «وجود وزير على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد يفهم ماذا يجري في الجلسات، فلا يُترك الأمر لوزير المالية».
على جبهة ميقاتي، ترى مصادره أنّ وزارة الاقتصاد مهمة أيضاً «حتى يكون له رأي في المفاوضات مع صندوق النقد، بالإضافة إلى أنّ وزير الاقتصاد عضو في اللجنة التي تضم رئاسة الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية، وتبتّ بصرف الدولارات الواردة من الخارج». اقترح ميقاتي تسمية حنين السيّد لهذه الحقيبة، ليكون بذلك كمن يُقدّم «هدية استقبال» لـ«المجتمع الدولي» قبل انطلاق المفاوضات. آخر المحطات التي برز فيها دور السيّد كانت خلال مناقشة قرض الـ 246 مليون دولار المعروف بـ«دعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد ــــ 19 والأزمة الاقتصادية»، فكانت من بين العاملين على تدمير دور الدولة وعلاقتها بمواطنيها، مقابل تشريع الرابط المباشر بين المواطن والجهات الدولية عبر خلق إدارات رديفة تتواصل مع العائلات وتجمع المعلومات الخاصة حول هوياتهم وتُنفّذ وتُراقب وتُوظّف. خلال إحدى الجلسات النيابية لمناقشة هذا القرض، توجّه النائب أمين شرّي إلى وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية بالقول: «نحن لسنا بحاجة إلى حنين البنك الدولي». هدفت تلك «اللطشة» إلى تظهير سطوة البنك الدولي، عبر السيّد، على المؤسسات العامة، وعقد اتفاقات تُعزّز الزبائنية السياسية.
يجري التسويق لوجود رضى من صندوق النقد على تسمية يوسف خليل


يقول وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش إنّ دور هذه الوزارة «أساسي في رسم السياسات الاقتصادية، ومنها تتفرّع السياستان المالية والنقدية. الحريرية الاقتصادية همّشت هذه الوزارة، وحصرت القرار بين رئاسة الحكومة ووزارة المالية ومصرف لبنان». ويُضيف بأنّ مرتكزات الاقتصاد ثلاثة: الإنتاج والطاقة والنقل، «الحكم في لبنان خلال الثلاثين سنة الماضية لم يهتم لهذه المرتكزات، فاعتبرنا أنّ خطة النقل هي فقط تزفيت طريقين عوض وضع خطة متكاملة تُقلّص كلفة البنزين وشراء السيارات والآليات والتلوّث البيئي وزحمة السير التي تُعرقل الإنتاجية، تماماً كما تمّ إهمال قطاع الطاقة. ولم نضع سياسة ضريبية سليمة بخدمة الاقتصاد الحقيقي باتجاه تحفيز الإنتاج». تعافي الاقتصاد يعني تعافي المالية العامة والسياسة النقدية، «لذلك في هذه الظروف تبرز أهمية وزارة الاقتصاد أكثر من أي يوم مضى». فأيّ سياسة اقتصادية ستُرسم مع حكومة تأتي لتحمي مصالح المنظومة وتُعيد ترتيب أوضاعها؟
المعضلة نفسها تبرز في وزارة المالية، مع اختيار يوسف خليل، الذي طُرح اسمه للمرة الأولى كـ«توافقي» خلال تكليف مصطفى أديب بتأليف الحكومة، وانتشرت أقاويل عن أنّه واحد من الأسماء التي طرحتها المبادرة الفرنسية. وفي تشرين الأول سنة 2020، أعاد ثنائي سعد الحريري ــــ رياض سلامة، تسويق خليل لدى برّي ليكون وزير المالية الجديد، ممثلاً لمصالح حاكم البنك المركزي وحزب المصرف داخل مجلس الوزراء، وفي جلسات التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
من بين ثلاثة مديرين في «المركزي» يُشكّلون فريق عمل سلامة، يُعَدّ خليل من الأقرب إليه: مسؤول عن عمليات بيع شهادات الإيداع للمصارف، صفقات شراء سندات الدين بالعملات الأجنبية، تنفيذ الهندسات المالية التي وضعها سلامة وحقّقت للمصارف أرباحاً بلغت في سنة واحدة أكثر من 5 مليارات دولار. تعيينه يعني توسيع سلطة سلامة فعلياً، ومنع إجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. فكيف يُمكن أن يُمضي خليل سنوات يتلقى ويُنفذ أوامر سلامة، مع ما تضمّنه من «شُبهات»، ثم يُسمَّى لتولّي الحقيبة التي ستُراقب مصرف لبنان وتُدقّق في قراراته؟ مصادر ميقاتي تُدافع عن هذا الخيار بأنّ «خليل موظّف جيّد، ولكن حاول ميقاتي طرح بدلاء منه نظراً إلى كونه موظّفاً في مصرف لبنان، من دون أن ينجح. النقطة الإيجابية، وجود رضى عنه من صندوق النقد الدولي ناتج من تعامله معه خلال جولات المفاوضات الماضية، حين كان يحضر الاجتماعات مع سلامة أو ينوب عنه».
دور وزارة المالية سيكون أيضاً محورياً في المرحلة المقبلة، «ستُقدّم خطة الإصلاح، وتتقدّم المفاوضات مع صندوق النقد، وتُتابع التدقيق في حسابات مصرف لبنان والإدارات العامة، وحلّ مسألة الدائنين والتعثّر في دفع سندات الدين بالعملة الأجنبية (اليوروبوندز)، وتحضير الموازنة العامة، وكيفية صرف أموال صندوق السحب الخاصة التي سنحصل عليها من صندوق النقد، كلّ ذلك بغضون أشهر قليلة تسبق الانتخابات النيابية»، يقول أحد الوزراء السابقين، مُضيفاً إنّه «لا يُمكن تعيين أحد لا يعرف بالأمور المالية»... لكن الأكيد أنّه لا يُمكن تعيين رياض سلامة، المُشتبه فيه بجرائم اختلاس وتبييض أموال، والمُلاحَق قضائياً، في وزارة المالية في حكومة هدفها الـ«إنقاذ».