اختارت المجموعات المنضوية تحت ما يسمّى «قوى نداء 13 نيسان» (تحالف «وطني» الذي يضم النائبة السابقة بولا يعقوبيان ومجموعات مناطقية) أن ترى أحداث الطيونة ــــ عين الرمانة بعين واحدة.فضح كمين الطيونة «المجتمع المدني والحقوقي» والقوى «التغييرية» التي لم تر في أحداث أول من أمس سوى «مئات من المتظاهرين المسلحين يتوجّهون الى قصر العدل لتهديد القضاة»، المجموعات التي جعلت من ضرب المتظاهرين على الرينغ «أيقونة للثورة»، غضّت النظر عن قنص المتظاهرين فقط لأن هؤلاء مخالفون لمشروع الرعاة الخارجيين لقوى «التغيير». «المعارضون» لسلطة القمع والتخويف من سلاح المقاومة، استخدموا الأدوات نفسها في إيجاد أعذار لعدم إدانة التعدّي بالسلاح الميليشيوي على متظاهرين يعبّرون عن رأي مخالف لرأيهم، وتجاهل قتل أُمّ تنتظر عودة ابنتها من المدرسة برصاص القنص... لأنها ببساطة تنتمي الى بيئة «لا تحب الحياة». فيما غاب نقيب المحامين «الثوري» ونقابته «المنتفضة» والمحامون «الثوريون»، باستثناء قلة، عن إدانة التعرّض لمحامين بالقنص لأنهم خرجوا في تظاهرة.
كان يمكن لهذه القوى أن تجد لغة معتدلة لكنها عجزت عن دفن نفاقها، فأخرجت كل أحقادها لا لتساوي الجلاد بالضحية، إنما لتبرّر قتل الجلاد لضحيته ولتجد أعذاراً واهية لا تساهم سوى في فضح زيف ادعاءاتها حول حقوق الإنسان. كل ذلك لاستلحاق ما يمكن استلحاقه بعد الخسارة التي أنزلتها القوات بهم بفعلتها في كمين الطيونة، وكسبها الجولة من تجييش المسيحيين. ويقول أحد قادة المجموعات إن هؤلاء يعتبرون أن «الخسارة الرئيسية لحقت بهم لأن جمهورهم من المحايدين أو من المناصرين لخطّ 14 آذار، عاد الى الصحن القواتي بعدما نفّذت معراب بالفعل لا بالقول ما يسعون هم منذ صباح 17 تشرين الى فعله، أي كسر هالة حزب الله في الشارع».
وعلى المنوال الأعمى نفسه، سارت «المعارضة الوطنية» التي تضم حزب الكتائب والنائب السابق ميشال معوّض ومجموعات أخرى. لم يجرؤ هؤلاء على إدانة أفعال القوات اللبنانية في بيانهم بالتوازي مع إدانة رد فعل أنصار حركة أمل وحزب الله، لعلمهم المسبق أن ذلك سيخسرهم في المناطق التي يتنافسون عليها مع جعجع. لا بل اختاروا حذف حركة أمل من المشهد والتركيز على حزب الله، وأمّنوا لأنفسهم إطلالات إعلامية. هنا أيضاً، فاق طبع النفاق التطبع، فمعوّض والجميّل اللذان لا يفوّتان مناسبة لحصر السلاح بالجيش اللبناني، آثرا عدم رؤية السلاح القواتي والحرب الأهلية التي كادت تشتعل جراءه.
في المحصلة، دخل المجتمع المدني كما الأحزاب السياسية المعارضة موسم النفاق الانتخابي عبر تغذية صناديقهما من استثارة النعرات الطائفية والتجييش المذهبي، سعياً وراء دعم ماليّ من السفارات والجهات الخارجية على طريقة أحزاب السلطة. ويبدو أن هؤلاء الذين جهدوا في الأشهر الأخيرة لتمييز أنفسهم عن القوات وتقديمها على أنها جزء من المنظومة الحاكمة، عادوا أول من أمس ليكونوا خرطوشاً في جعبة قائد معراب. سبق لجعجع أن كرّس نفسه بنفسه، في 16 تشرين الأول 2019، قائداً لـ«الثورة المقبلة». وها هو اليوم يتفرغ لترويض المجموعات والأحزاب المعارضة من جهة، ولسحقها من جهة أخرى عبر تقديم نفسه كالضامن لأمن المجتمع المسيحي والقابض على ميزان القوة في وجه حزب الله.