لا تزال منطقة عكار تحت وقع الصدمة والحزن، من مشهد التشييع الجماعي في وادي الجاموس لخمسة شبان، سقطوا إثر اشتباك بين عائلتين.
لكن الدماء التي سالت الأسبوع الفائت، على خلفية إشكال على أفضلية مرور، لم تكن الأولى في سلسلة الاشتباكات المسلّحة التي تحصل بين العائلات في المنطقة الأكثر حرماناً وفقراً، فلا منطقة عكارية تقريباً تخلو من الإشكالات العائلية. وفي عكار، كما في بعلبك - الهرمل، السلاح المتفلّت حاضر دائماً. لكن ما الذي تسبّب فعلياً باشتباك دموي شرس بين أبناء البلدة الواحدة؟

وادي الجاموس صورة طبق الأصل عن باقي البلدات العكارية التي يغزوها الفقر والحرمان. يقيم في البلدة ستة آلاف شخص، يعملون في الزراعة. الطرقات غير معبّدة وخالية من شبكات الإنارة والمياه والصرف الصحي ومجاري الأمطار. ولا شبكة مياه صالحة للشرب، فيما البيوت متداخلة والعمران عشوائي.

أرشيف (مروان طحطح)

وادي الجاموس نموذج فقير ومهمّش كجاراتها إذاً، واشتباكها الدموي لم يكن الأول ولن يكون الأخير في عكار. فمنذ نيسان الماضي، سقط عدد من الشبان في اشتباكات مماثلة. في بنين ثلاثة وفي السفينة واحد، في عكار العتيقة قتيل، وفي فنيدق وبرقايل أيضاً، إضافة إلى قتيلَي وادي الجاموس.

وقد أُضيف إلى القتيلين في الوادي خمسة قتلى، الأسبوع الماضي، من عائلة الطرطوسي. وسقط القتلى السبعة بين عائلتَي السيد والطرطوسي، بعيداً عن الأسباب المرتبطة بالثأر أو السياسة.

تتوزع الإشكالات وتتنقل في عكار، حيث تكثر البيوت المتداخلة والمصاهرات بين العائلات، والتي باتت تساهم بالتفرقة بينهم، بفعل إشكالات فردية تتحول إلى حرب شوارع وانقسامات واصطفافات عائلية. وقد يضطر أحدهم إلى مقاطعة أعمامه أو أخواله وربما شقيقته حتى. هكذا يصف رئيس بلدية وادي الجاموس الشيخ خضر عكاري، الوضع، مؤكداً في حديث مع «الأخبار» أن ما حصل في وادي الجاموس هو «وليد اللحظة، استحوذ خلالها الشيطان على المتخاصمين، وحدث ما حدث».

كلام عكاري قاطعه المختار راشد السيد الذي يروي لـ«الأخبار»، كيف اشتعل فتيل الفتنة منذ رمضان الماضي، وبالرغم من كل الجهود التي بُذلت مع الطرفين لإحلال الصلح، إلا أن الظروف لم تساعد في إيجاد حل، فحلّت الكارثة.

في الإطار، يؤكد المختار السيد أن العائلتيْن تربط بينهم أكثر من 13 حالة مصاهرة، هذا عدا عن تشابك المنازل والأحياء، التي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن بعضها البعض.

بدوره، يؤكد مصدر أمني لـ«الأخبار»، أن معظم المشاكل التي أدّت إلى سقوط قتلى لم تكن على خلفية ثأرية، بل هي وليدة اللحظة، وانسحبت على أسباب إشكال وادي الجاموس. وسقوط القتلى في عكار كان نتيجة إشكالات إما على أفضلية مرور أو تعبئة البنزين والمازوت، أو نتيجة إشكالات عائلية فردية.

في المحصلة، يُعدّ الإشكال الذي ذهب ضحيته شخصان، بين فنيدق وعكار العتيقة، الوحيد الذي كان على خلفية خلاف عقاري، وبسبب تنازع على ملكية الأراضي، وهو منذ قرابة السبعين عاماً يتجدد سنوياً، على غرار ما يحدث بين منطقتَي بشري والضنية، في الخلاف القائم على القرنة السوداء.

واللافت أن اشتباك وادي الجاموس الذي وُثّق بالكاميرات، شهد استخدام كميات كبيرة ومتطوّرة من السلاح. فمن أين استحصل هؤلاء عليه؟

بالرغم من أن كل أسباب هذه الإشكالات كانت بعيدة عن السياسية، إلا أنه لا يمكن أن يتمّ التغاضي عن عمليات توزيع السلاح، والتي تتم في معظم مناطق عكار من جهة نواب وسياسيين وفعاليات، الذين يحرصون على تأسيس مجموعات تابعة لهم. وغالباً ما يُستعمل هذا السلاح في الإشكالات، ويكون إما تابعاً أو مُعطى أو مدعوماً من شخصية سياسية، علماً أن هؤلاء يحرصون على تزويد عشرات الشبان بالسلاح الفردي، والذي أصبح منتشراً بكثافة من دون أي رقابة.

على إثره، أقدمت دورية من الجيش اللبناني على مداهمة منزل النائب السابق خالد الضاهر، وأوقفت 4 شبان من آل السيد كانوا قد لجأوا إلى منزل الضاهر بعدما شاركوا في إشكال وادي الجاموس. وتمّت مصادرة كمية كبيرة من السلاح خلال المداهمة. أما الضاهر، فأكد لـ«الأخبار» أن «السلاح المضبوط يعود إليه، وهو للحماية الشخصية وللدفاع عن النفس»، نافياً أن يكون قد استُعمل في إشكال وادي الجاموس.