دلّ الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي، أمام المسؤولين اللبنانيين أمس، على أن أولى خطوات الحل في أزمة العلاقات اللبنانية - الخليجية، تبدأ من بيروت باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي. تبعاً لما سمعه منه المسؤولون اللبنانيون، أنه سيذهب إلى السعودية لمناقشتها في معاودة الحوار مع لبنان في ضوء الخطوة الأولى التي حدّد ملامحها. اعتبر أنها مدخل محتمل، وليست الحل. خلاصة ما قاله زكي هو مصدر السجال الدائر عبثاً منذ 26 تشرين الأول، عند نشر مواقف وزير الإعلام من حرب اليمن، من غير تمكّن أرباب السلطة اللبنانيين من العثور على مخرج للأزمة.لم يعد خافياً أن ظاهر المشكلة غير باطنها، وطرفها الفعلي المباشر مع السعودية ليس الدولة اللبنانية الآثمة، بل حزب الله، مذ دلّ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على مكمنها. بذلك بات يصعب إيجاد قاسم مشترك بين ما أدلى به زكي البارحة وموقف المملكة. عزّز حجّة الرياض، ودلّ هو الآخر على تقاطع تصوّره معها للمشكلة، رفض حزب الله استقالة قرداحي أو إقالته، ومقاربته الأزمة على أن أياً من إجراءيْ الإقالة أو الاستقالة يصيبانه هو بالذات، ويستجيبان شرطاً سعودياً كان مطلوباً في الأيام الثلاثة الأولى من المشكلة، قبل أن يفصح بن فرحان في 30 تشرين الأول عن جوهرها بعيداً من ذريعتها المتداولة.
تبعاً لذلك، أبلغ الحزب إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه لن يسمح بإقالة قرداحي في مجلس الوزراء، وسيمنع اكتمال نصاب الجلسة. كان قد بلغ إلى السرايا أيضاً، أن الحزب يترك لوزير الإعلام اتخاذ القرار الذي يختاره لنفسه، بعدما أظهر النائب السابق سليمان فرنجيه، مرجعية توزير قرداحي، مرونة بإزاء هذا الخيار المفترض.
تدريجاً، تبين أن المشكلة لا تقيم في تصريح وزير، ولا حلها في إقالته أو استقالته، على الأقل وفق مقاربة حزب الله للأيام العشرة المنصرمة، مذ اندلع السجال.
قبل أربعة أيام، أرسل فرنجيه مجدّداً رسالة إلى حزب الله في النطاق نفسه: استعداده تحمّل وزر تداعيات المشكلة باستقالة طوعية لوزيره قرداحي، بغية إيجاد ثغرة في الحلّ تريح ميقاتي وتقلل ردود الفعل السنّية الداخلية. قيل - تبعاً للمعلومات نفسها - إن وطأة المشكلة حملت فرنجيه، قبل التواصل مع الحزب، على استمزاج الرئيس السوري بشّار الأسد رأيه في المعالجة التي يقترحها. مساء الأحد، تلقّى رئيس تيّار المردة جواباً قاطعاً من حزب الله يرفض كلا المخرجيْن المتداوليْن: لا إقالة لقرداحي ولا استقالة. عنى بذلك أنه بات هو المعني بالمواجهة الناشبة بينه والمملكة. الأكثر استدلالاً أن موقفه لا يقتصر على رفض الضغط على الوزير لحمله على التنحي، بل يشي بضغوط معاكسة لجأ إليها الحزب، هي الحؤول دون خروجه من حكومة ميقاتي.
رفض حزب الله عرضاً لفرنجيه بتحمّل وزر استقالة قرداحي


لم يعد البديل المتاح من فكرة الإقالة، المتعذّرة في مجلس الوزراء من دون الثنائي الشيعي وحلفائه، والاستقالة الممنوعة كخيار طوعي، سوى المضي في المواجهة.
بعض الأسباب المبرّرة لهذا التشدّد:
1 - قبول حزب الله بإقصاء قرداحي من حكومة ميقاتي، أياً تكن الآلية، يفضي إلى التسليم بنتيجة واحدة حتمية، هي الرضوخ لضغوط الرياض التي - تبعاً لهذا التبرير - لا تقتصر على إجراء ثانوي عابر يسهل الوصول إليه، وإبدال وزير بآخر في فريق التحالف نفسه، بل يعني دخول السعودية شريكاً في رسم السياسة الخارجية للبنان، وطرفاً فيها ما دامت قادرة على معاقبة السلطات اللبنانية وفرض إرادتها عليها. طرف جديد كهذا، يفسرّه حزب الله على أن المملكة باتت تقاسمه بالإرغام الإمساك بالديبلوماسية اللبنانية والسياسة الخارجية للبنان.
2 - منذ عام 2000، ما إن تسلّم وزير ينتمي إلى الثنائي الشيعي وزارة الخارجية طوال عقد من الزمن، باستثناء سنة مرّ فيها الوزير الراحل جان عبيد (2003 - 2004)، وصولاً إلى انتقالها إلى الحليف الموثوق به وزير التيار الوطني الحرّ جبران باسيل طوال ست سنوات قبل انتخاب الرئيس ميشال عون ثم في ظله، وأخيراً بوزيرين سمّاهما عون هما ناصيف حتي وعبدالله بوحبيب، اطمأن حزب الله إلى السياسة الخارجية للبنان على نحو كفل له الدفاع عن سلاحه، وحماه، وغطى إلى حد بعيد الأدوار التي اضطلع بها خارج الحدود اللبنانية في سوريا والعراق والبحرين انتهاء باليمن، مروراً بالتحالف الوثيق الذي يجمعه بإيران متبنّياً خيارات نزاعاتها مع جيرانها العرب. ما بين عامي 2000 و2005 كان الرئيس رفيق الحريري صمّام أمان عدم الانزلاق. رجل السعودية في لبنان الذي يحاور إيران ويتواصل معها ويزورها بصفتها حليفاً لسوريا. باغتياله، ثم بخروج سوريا من لبنان عام 2005، بدأ التحوّل الأكثر إرضاءً لحزب الله في السياسة الخارجية للبنان، كي تعدّ تدريجاً لما بات طبيعياً حصوله، بذريعة عابرة ثانوية غير محسوبة، وهو انفجار العلاقات اللبنانية - الخليجية، لا سيما منها السعودية.
3 ـ اعتقاد حزب الله بأن الرياض تضطلع بدور أساسي سلبي في إحداث خلل في موازين القوى السياسية الداخلية التي يسهر على إدارتها، بغية إشغاله وإقلاقه. أول مؤشراته اتهام كل حكومة يصير إلى تأليفها منذ عام 2011 بأنها «حكومة حزب الله». ثانيها مقاطعة عهد عون منذ السنة الأولى له إلى الأمس القريب وقطع سفيرها أي اتصال به. ثالثها تجاهل ميقاتي وحكومته بعد تجاهل حكومة الرئيس حسان دياب والسخرية منها. رابعها إخراج الرئيس سعد الحريري من المعادلة الداخلية بحضه على نحو غير مباشر على العزوف عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة في ما يعدّه الحزب حليفاً أساسياً له لضمان الاستقرار المذهبي في الداخل، وتخفيف وطأة التشنج السنّي حيال فائض القوة الشيعي.