من الناحية القانونية، وصل ملف التحقيق في انفجار المرفأ إلى حائط مسدود. كل القضاة المعنيون مطلوب ردّهم، أو كُفّت أيديهم فعلاً. لم يعد فيهم من يستطيع أن «يحكم» أو يحقّق. هنا يأتي دور مجلس القضاء الأعلى، وتحديداً رئيسه القاضي سهيل عبود. كان يتوجّب على الأخير أن يقف موقفاً حازماً، ليضع الأمور في نصابها. والمسألة ليست معقّدة. ببساطة، على حارس العدالة أن يلتزم بالقانون. لكن، خلافاً لذلك، قرر عبود أن يقود معركة القاضي طارق البيطار، بصفته فريقاً لا حَكَماً حريصاً على تنفيذ القانون. حتى أسابيع قليلة، كان رئيس مجلس القضاء الأعلى يقول لقضاة في المجلس وخارجه إن البيطار يرتكب أخطاء كثيرة. لكن هذا القول كان يُتَرجم إلى عكسه، من خلال الإصرار على أن يدافع عبّود عما يراه مخالفات في أداء البيطار، كما في توزيع طلبات الرد - التي تُقدّم ضد المحقق العدلي - على قضاة قراراتهم مضمونة. وبعد ذلك، كان عبّود يحمي المخالفات القانونية التي ارتكبها هؤلاء القضاة، وأبرزها عدم الالتزام بموجب إبلاغ أفرقاء الدعوى طلب الرد. في المقابل، قرر عبّود، أول من أمس، تحريك مجلس القضاء الأعلى ضد القاضي حبيب مزهر، بعدما أبلغ الأخير القاضي البيطار بوجود طلب رد بحقه. في جلسة المجلس، سأل مزهر عبّود عن المخالفات التي ارتكبها، فلم يسمّ عبّود واحدة. تحدّث نائب رئيس المجلس، المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات عن أن «التاريخ سيسجّل أن العدلية انقسمت طائفياً في عهدنا»، لكن عبّود لم يعتبر نفسه معنياً بهذا الكلام. اقترح مزهر إصدار تعميم على القضاة يذكّرهم فيها بوجوب التزام القانون عندما ينظرون في طلب رد قاضٍ، فرفض عبّود. انتهت الجلسة إلى لا شيء، بعدما سمع رئيس المجلس «معلومة» تشير إلى إمكان تقديم شكوى بحقّه إلى التفتيش القضائي.رئيس مجلس القضاء الأعلى، الطامح للوصول إلى رئاسة الجمهورية، وبدلاً من الحرص على «حُسن سير العدالة»، وهي المهمة التي يضعها القانون أولوية لمجلس القضاء، قرر الذهاب إلى فرنسا لحشد التأييد للبيطار، فاستحصل من مجلس القضاء الأعلى الفرنسي، في السابع والعشرين من الشهر الفائت، على بيان داعم للمحقق العدلي في انفجار المرفأ. وبحسب ما هو متداول في العدلية، يضغط عبّود على رئيس هيئة التفتيش القضائي، القاضي بركان سعد، من أجل «فتح تحقيق» مع مزهر، بهدف الضغط عليه معنوياً.
ويوم أمس، حمل عبّود ورقة جديدة في جيبه: مطالعة من المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، يقول فيها إن الجهة المختصة برد المحقق العدلي أو تنحيته، هي المجلس العدلي. المطالعة غير مُلزِمة للهيئة العامة لمحكمة التمييز. الأخذ بها يعني أن عبّود نفسه، بصفته رئيس المجلس العدلي، سيصبح المتحكّم الأبرز بطلبات الرد والتنحية.
لكن مصادر قانونية تشير إلى أن الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وفي حال أخذت بمطالعة قبلان، وحدّدت المجلس العدلي مرجعاً صالحاً للنظر في طلبات رد المحقق العدلي أو تنحيته للارتياب المشروع، تكون قد قررت حُكماً أن قرار تنحية المحقق العدلي السابق، القاضي فادي صوان، كان قراراً باطلاً وكأنه لم يكن، لأنه صدر عن مرجعٍ غير ذي صفة! حفلة الجنون التي تسبب بها، ويشرف على الجزء الأكبر منها، القاضي سهيل عبّود، تحتاج قراراً من هذا الوزن لتكتمل.