استعجل مجلس النواب إقرار قانون يرمي إلى تعديل بعض مواد القانون الانتخابي رقم 44/2017 أي القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات عام 2018، فانتهت تلك التعديلات التي طبخت على عجل إلى ارتكاب مخالفات ضمن المواد المعدّلة نفسها. وبات الحلّ الأنسب لتصحيح هذه الأخطاء، هو تعديل القانون النافذ حكماً رقم 8 والذي أُعدّ في الأساس لتعديل القانون الأصلي. فقد تضمنت التعديلات المنشورة في الجريدة الرسمية في 3/11/2021، تناقضات مرتبطة مباشرة بتسجيل الناخبين وعمن يحقّ له المشاركة في العملية الانتخابية. فتحدثت المادة 28 المعدّلة أنه «يتوجب على رؤساء دوائر وأقلام النفوس في المناطق أن يرسلوا سنوياً إلى المديرية العامة للأحوال الشخصية، بين 20 تشرين الثاني و5 كانون الأول، لوائح تتضمن أسماء الأشخاص المسجلين الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية للقيد في القوائم الانتخابية وأسماء الأشخاص الذين ستتوافر فيهم هذه الشروط بتاريخ تجميد القوائم الانتخابية». فيما تحدد المادة 35 المعدلة أيضاً موعد تجميد القوائم الانتخابية بتاريخ الأول من شباط المقبل، حينها ترسل المديرية العامة للأحوال الشخصية نسخة من القوائم النهائية إلى المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين لاعتمادها في الانتخابات المقبلة. لكن ما بينهما، جرى إضفاء تعديل على المادة 32 التي نصت على إرسال المديرية العامة للأحوال الشخصية «قبل تاريخ 15 كانون الأول 2021 نسخاً عن القوائم الانتخابية الأولية التي سبق أن جُمّدت بتاريخ 30/3/2021 بالإضافة إلى أسماء الناخبين الذي بلغوا سنّ 21 بتاريخ يوم الانتخاب المقبل إلى البلديات والمخاتير ومراكز المحافظات والأقضية».
ارتكب المشرّع مخالفات أثناء إقرار التعديلات التي طُبخت على عجل

هكذا، ذكرت التعديلات تاريخين مختلفين، بما يشير إلى أن المُشرّع - في إطار استعجاله لتقصير المهل حتى يفرض انتخابات في 27 آذار المقبل - دخل في سلسلة مغالطات ستؤدي في حال عدم إجراء الانتخابات في هذا التاريخ، بل في أيار على سبيل المثال، إلى حرمان نحو 18 ألف ناخب شاب من الاقتراع ممن يبلغون 21 عاماً. ويقول الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ«الأخبار» إن قانون الانتخاب 44/2017 أشار إلى «تجميد القوائم الانتخابية في 30 آذار من كل سنة وتبقى هذه المدة نافذة حتى السنة التي تليها. على أن تبدأ وزارة الداخلية بوضع اللوائح من 20 تشرين الثاني إلى 20 كانون الأول. لكن التعديلات المقرّة في مجلس النواب حددت للداخلية مدة ما بين 20 تشرين الثاني و5 كانون الأول أي تم تقصير هذه المهل لتسجيل الأسماء، واعتماد تاريخ 1 شباط كموعد لتجميد القوائم، بما معناه أنه يحق لمن استوفى عمر 21 عاماً خلال هذه المدة بالاقتراع». ولكن لأن أحداً لا يقرأ النصوص، «تمت إضافة عبارة وكل من يبلغ 21 عاماً في يوم الانتخاب المقبل من دون التنبه إلى هذه الثغرة التي تطرح علامات استفهام حول التاريخ الذي يفترض بالداخلية أن تعتمده لتسجيل الأسماء: 1 شباط حين تجمّد القوائم أو موعد الانتخابات الذي لم يحدد بعد، وقد يكون في 27 آذار؟». أكثر من ذلك، وإذا ما تم اعتماد تاريخ 8 أو 15 أيار المقبلين، كيف يمكن معالجة الفارق في الأسماء المستوفية للشروط ما بين شباط وأيار، خصوصاً إذا ما انقضت المهلة المحددة لإرسال المديرية العامة للأحوال الشخصية القوائم في 15 كانون الأول إلى البلديات والمحافظات والأقضية من دون أن تحدد الحكومة موعد الانتخابات خلال تلك المدة. عندها هل يتم استرجاع القوائم لتعديلها أم يتم التغاضي عما ورد في التعديلات وهو ما يعتبر مخالفة قانونية؟ يعني ذلك أن ثمة أخطاء وقع فيها المشرّع عند تعديل مواد قانون الانتخاب، وباتت بحاجة إلى تعديل لتوضيحها، إلا في حال قبول المجلس الدستوري بالطعن المقدّم من تكتل لبنان القوي، عندها تسقط تلك التعديلات تلقائياً.

«تخبيصة نيابية»
يشير النائب في التيار الوطني الحر آلان عون إلى أن التعديلات التي أقرت، أجرتها الكتل النيابية المؤيدة لإجراء الانتخابات في 27 آذار. لكنها أخذت في الاعتبار تغيير موعد الانتخابات فأرفقت جملة تسمح للوائح المعدّة في شباط أن تتناسب وموعد آخر محدد». ويضيف أن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة مفترض أن يصدر في كانون الأول من وزارة الداخلية وسيكون منسجماً مع الموعد المتوقع للانتخابات: «كل هالتخبيصة كرمال 27 آذار». لكن صدور نتيجة بالقانون المعدّل أكان إيجاباً عبر قبوله أو سلباً عبر عدم توافر النصاب واعتبار القانون نافذاً حكماً، «سيوضح الصورة العامة للجميع ومن بينهم وزير الداخلية الذي سيتمكن من تحديد الموعد». علماً أن مصادر مقربة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكدت أن «الانتخابات لن تحصل في آذار بل في أيار، بناء على طلب رئيس الجمهورية ميشال عون، ولأنه لن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في حال اعتماد يوم 27 آذار كموعد لإجراء الانتخابات». ربما من هذا المنطلق، بدأت المديرية العامة للأحوال الشخصية في 20 تشرين الثاني، أي منذ ثلاثة أيام بالتزامن مع إقفال باب تسجيل غير المقيمين، تسجيل أسماء الناخبين المستوفين للشروط مستندة إلى تاريخ 30 آذار المقبل كموعد لتجميد القوائم الانتخابية ولإيراد أسماء كل من بلغوا سنّ 21 عاماً، أي كما نصّ عليه قانون الانتخاب الأصلي ومن دون الأخذ بالتعديلات المتناقضة بحسب ما قالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار».
من جانبه، يرى النائب في كتلة التنمية والتحرير ياسين جابر أن إيراد تاريخين مختلفين يأتي في سياق فتح مجال لمن سيبلغون 21 عاماً لطلب إدراج أسمائهم إذا لم تجر الانتخابات في آذار، حتى لا يُحرم أكثر من 10 آلاف لبناني من الاقتراع. لكنه يعود ليشير إلى أن النص بحاجة لـ«شدشدة»، بعد البت بـ«الحاجز الأول وهو موضوع النصاب في المجلس الدستوري وما سيصدر عنه من قرار».
ما هو واضح أن هناك ارتباكاً في مجلس النواب وإدارته بشأن المغالطة الحاصلة في اعتماد تاريخين مختلفين لتسجيل الناخبين، وأحداً لا يملك تفسيراً لذلك بل مجرد ترجيحات. ما هو مؤكد أن إدراج تاريخ 1 شباط بدلاً من 30 آذار كما كان محدداً سابقاً كموعد لتجميد القوائم الانتخابية يدخل ضمن عملية تقصير المهل للسماح بإجراء الانتخابات في 27 آذار 2022. إنما إدراج عبارة «الذين بلغوا سن 21 عاماً في يوم الانتخاب المقبل» في التعديلات عينها يشير إلى إشكالية ما لم يتنبه لها المشرّع وربما أدخلها في إطار عدم حرمان آلاف الناخبين من ممارسة حقهم الديموقراطي في حال إجراء الانتخابات في أيار. وفي كلتا الحالتين، باتت المادة 32 بحاجة إلى جلسة نيابية لتعديلها مرة جديدة، أكان موعد الانتخابات في 27 آذار أم في أيار. ذلك لأن تجميد القوائم الانتخابية قبيل شهر أو شهرين، يمنح وزارة الداخلية وقتاً لإحصاء المتوفين ومن لا يحق لهم الاقتراع، وهو ما لا يمكن إنجازه إذا جمدت القوائم في يوم الانتخاب نفسه.