لا حديث سياسياً في هذه الأيام إلا محاولة استكشاف المدى الذي ستبلغه العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر. ووفق ذلك، تكثر التساؤلات عمّا سيكون عليه موقف حزب الله، منذ ما قبل كلام النائب جبران باسيل، الى ما بعد كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورسائله المشفّرة والواضحة وقرار المجلس الدستوري، والصفقة التي طارت في غمضة عين.في خلاصة المعلومات، أنه رغم كل الرسائل والامتعاض الذي يبديه التيار، فإن حزب الله ليس في وارد الرد العلني أو المباشر مهما بلغت حدة الانتقادات التي تطاله. وهذه ليست المرة الأولى بينهما، ولن تكون الأخيرة، التي تحصل فيها هذه التباينات، وإن كانت تتخذ موقفاً أكثر حدّةً، نظراً الى ملابساتها وتوقيتها في السنة الأخيرة من عمر العهد. ولهذا الموقف أكثر من مستوى يمكن الحديث عنه. فالحزب، أولاً، يقسم الملفات، ولا يدمجها بعضها ببعض. ملف مجلس الوزراء يختلف عن المجلس الدستوري والانتخابات، والتحقيق في المرفأ يختلف عن ملف العلاقة الثنائية، وملف هذه العلاقة لا يتحدد بتصريحات أعضاء في التيار أو هجومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. إذ لا يزال الطرفان يعملان تحت سقف التفاهم الذي أرسي بينهما قبل سنوات. ومن الخطأ اعتبار أن الجرّة انكسرت بينهما. فالحزب يعرف تماماً حاجة التيار ورئيسه الى هذا النوع من الردود الداخلية والشعبية، وكلما بالغ التياريّون والباسيليّون في استهداف الحزب، سكت الأخير، لأنه يدرك أن هذا المنحى الذي يتّخذه للاستنهاض في الشارع المسيحي وبيئة التيار، من أدوات العمل الانتخابي والسياسي. لا بل إنه في مكان ما يساهم في تقوية التيار داخل بيئته ــــ إزاء بعض المحطات والمفاصل ــــ ولا يجد حرجاً في ذلك، طالما أن موقعه لم يهتز، وأن حليفه يستفيد منه شعبياً. وما دام سقف الاستراتيجيا لا يزال يحكم العلاقة الثنائية فإن الحزب لن يخوض معركة مواجهة مع التيار، على ملفات يمكن تباعاً فكفكة عقدها أو حتى تبقى عالقة كغيرها من ملفات أخرى. وهو وإن كان عالماً بأن عتب التيار في بعض المفاصل حقيقي وليس لمجرد الاستنهاض، كمثل ما يتعلّق بالرئيس نبيه بري، إلا أن الحزب رسم سلفاً حدود التحالف بين الثنائي والتيار، ولا يخلط بينهما. وباسيل أكثر من يعرف ذلك جيداً، ويعرف خصوصية هذه العلاقة وحساسية محاولة اللعب عليها.
أما من جهة التيار الذي يصوّب على الحزب، فهو في هذه المرحلة أكثر ما يحتاج إليه، وخطاب الاستنهاض ضروري، كما كان ضرورياً في مرحلة الكلام عن حقوق المسيحيين. فالمرحلة الآنية هي، مبدئياً، للاستعداد للانتخابات، وكما يفهم الحزب حاجة التيار في استعادة النبض في الشارع، فإن التيار مدرك أنه لا يمكن خوض الانتخابات بمعزل عن الحزب.
ما دام سقف الاستراتيجيا يحكم العلاقة الثنائيّة لن يخوض الحزب مواجهة مع التيّار


فالتيار عزل نفسه عن كل التحالفات والمكوّنات والشخصيات التي تحالف معها في انتخابات عام 2018. ولا يمكنه خوض الانتخابات وفق قانون الانتخاب الحالي إلا على أساس تحالفات عريضة وتفاهمات يمكن أن تؤمن الحواصل اللازمة. وهو منذ ما قبل الانتخابات وحتى اليوم، فقد كل القوى السياسية الأساسية التي يمكن أن يتحالف معها، كما خسر حلفاء له في زغرتا وكسروان ــــ جبيل وزحلة، بغض النظر عن خلفية اعتراضه عليهم. وبات، كما أي فريق آخر، يحتاج في دوائر أخرى الى أي نوع من الأصوات، مهما كان عددها، لتأمين مقاعده. فعملانياً، يحتاج التيار الى حزب الله في الكورة والبترون، كبر أو صغر عدد ناخبيه فيهما، ويحتاج إليه في كسروان ــــ جبيل حيث يرتفع الكلام الجدي عن تحالف بينهما كما غيرها من الدوائر كزحلة وبعبدا، والكلام عن احتمال حجز الحزب مقعداً للتيار في بعلبك الهرمل. والتيار الذي خسر مقاعد في كتلته ويحتاج الى تعزيزها قبل الرئاسيات بأي ثمن، يعرف أنه يخوض مواجهة انتخابية حادة، يحتاج فيها الى كل أسلحته لنيل نتائج ترضيه، ولا يمكن تبعاً لذلك التفريط بما يؤمّنه حزب الله. ويخطئ معارضو التيار في الاعتقاد أن حزب الله لن يعطي أصواته للتيار، حيث ترتفع قدرته وحيث لا تحصل مواجهة بينه وبين حركة أمل كجزين. لذا لا يمكن رسم الانتخابات من الآن وصاعداً من دون الأخذ في الاعتبار المؤشرات الضرورية للتيار.
هذا في الانتخابات، أما في السياسة، فمن الاستعجال الحكم على الانتكاسة الأخيرة في المجلس الدستوري وسقوط التسوية على أنها نهاية المطاف. إذ إن طريق التيار السياسية نحو الانتخابات إذا حصلت، وما بعدها إذا لم تحصل، وإعادة الحكومة الى العمل وصولاً الى رئاسة الجمهورية، تحتاج الى أن يكون على تقاطع وتفاهم مع حزب الله، كما الاستعانة به لتذليل العقبات. وهذا الأمر يدركه باسيل مهما كانت حدّة اعتراضاته.