في ظلّ فشل رهانه على تحوّل في الموقف السعودي منه، أخيراً عاد الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، بعد أسابيع من التأجيل الذي ارتبط بنقاش متداوَل عن احتمال انسحابه من المشهد الانتخابي، والتفرّغ لعالم الأعمال الذي سمحت له الإمارات بالاستثمار فيه بشكل محدود، شرط عدم استخدام المال في العمل السياسي.مع عودة الحريري أمس، بدأت التكهنات عمّا إذا كان هدف هذه العودة الإعلان رسمياً عن عدم ترشّحه للانتخابات النيابية المقبلة، بعد معلومات تم تداولها في الشهرين الماضيين عن أنه ينوي «إقصاء» نفسه، ولو مؤقّتاً، بسبب الوضعين المادي والتنظيمي لتيار المستقبل، بعد عملية «الاغتيال السياسي» لـ«الحريرية السياسية» التي بدأتها الرياض، منذ اختطافه عام 2017، لمصلحة «تعدّدية» سُنية لم تتمظهر بعد، ما يخلق حالاً من الإرباك لن يبدّدها سوى ما سيُعلنه الحريري، أو ربما سيزيدها إرباكاً.
رئيس الحكومة السابق استهلّ يومه الأول في بيروت بلقاء الرئيس نجيب ميقاتي في السراي الحكومي، ثم المفتي عبد اللطيف دريان في دار الفتوى.
حتى مساء أمس، كانت الأسئلة تتوالد عن توقيت العودة، وعمّا إذا كانَ الحريري قد أبلغَ من التقاهم بقراره عدم خوض الانتخابات، كما سبقَ أن فعل أمام من زاروه في الإمارات قبلَ أسابيع، ومن بينهم عمّته النائبة بهية الحريري ونجلها أحمد والنائبة رولا الطبش والرئيس فؤاد السنيورة. ووفق معلومات «الأخبار»، لم يجزِم الحريري أمام دريان وميقاتي أمس بأنه لن يترشّح للانتخابات، وبحسب مصادر مطلعة «كانت لقاءاته تشاورية في الإطار العام»، لكنه «مهّد بأسئلة غير مباشرة عن تداعيات مثل هذه الخطوة، وكلام عن عدم حسمه ما إذا كانَ سيتبنّى مرشحين في المناطق أم لا».
وتردّدت معلومات أنه حتى مساء أمس، رفض الحريري استقبال أحد في «بيت الوسط»، ولم يُجب على اتصالات النواب والمسؤولين في التيار ولا رسائلهم، ولم يبلّغ أعضاء كتلته النيابية بموعد اجتماعه بهم، إلا أنهم يتحضّرون للقاء «في هذين اليومين» كما قال نواب في الكتلة. وعلمت «الأخبار» أن الحريري يُفترض أن يلتقي السنيورة والرئيس السابق تمام سلام الذي كان لافتاً إعلانه أمس، بالتزامن مع عودة الحريري، عزوفه عن الترشّح للانتخابات النيابية، ما أثار تساؤلات عمّا إذا كانَ هذا الانسحاب مُنسّقاً مع الحريري أم مطلوباً سعودياً أو مرتبطاً بالجو العام.
أوساط سياسية على صلة وثيقة بسلام أكدت لـ «الأخبار» أنه «قرّر قبلَ ستة أشهر الانسحاب من المشهد الانتخابي – السياسي، أي قبلَ أن تُسرب المعلومات عن نية الحريري العزوف»، وأنه «يعتبر أن لا مكان له في المشهد السياسي الراهن، ويرى أن إدارة البلد السياسية ليست صالحة لخوض غمار الانتخابات من جديد، وهذا القرار ينسحِب على أفراد عائلته». ولفتت إلى أن سلام «كرّر هذا الموقف في جلسة قبلَ أسبوعين من عودة رئيس تيار المستقبل إلى بيروت، وأن لا تنسيق بينَ الطرفين».
وفي انتظار ما سيعلنه الحريري (ويرجّح الجميع أن يكون قراره سلبياً) رَاوحت التقديرات حول التوقيت، بينَ أن يعلن قراره بعدَ الانتهاء من لقاءاته أو أن يتركه إلى ذكرى 14 شباط.
إلى ذلك، علمت «الأخبار» أن الحريري طلب، قبلَ عودته، زيارة القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومسؤولين مصريين، إلا أنه لم يلقَ جواباً، في ظل تسريبات عن «استياء مصري من تعامل الحريري مع الأزمة قبل تكليفه وبعد اعتذاره عن عدم تشكيل حكومة، وتعامله مع المبادرات التي قامَ بها المصريون لمساعدته».