في تقريرها السنوي لعام 1990، توضح «مؤسسة فورد» أنها عملت على اللامركزية (واحدة من مخلّفات العصر النيوليبرالي التاتشري)، داعمة البحوث التي تلبّي ما تشير إليه بـ«الفيدرالية الجديدة». وهي تحدّد بين مجالات تركيزها الخمسة الرئيسة، ثلاثة مجالات يكثر الحديث عنها في لبنان اليوم: القضايا الانتخابية، والسياسات المتعلقة بالنفط والغاز، و«تعزيز اللامركزية»، وسبق أن أظهرت انخراطاً كبيراً في رصد الانتخابات ومحاولة تشكيل نتائجها في دول الجنوب العالمي، بدعم من شبكات المجتمع المدني.
«المركز اللبناني للدراسات السياسية» (LCPS)
في لبنان، تركت «فورد» بصماتها على المشهد الانتخابي منتصف التسعينيات، مع منحة أولية بقيمة 190 ألف دولار قدمتها إلى «المركز اللبناني للدراسات السياسية» عام 1994.
يقول مكرم عويس، الأكاديمي والباحث في المركز إنّه بدأ «بمجموعة مثقفين، جابوا العالم وعملوا في كلّ مكان» لمعرفة «كيفية إعادة بناء الوطن والدولة... ولإعادة ديمقراطيتنا إلى المسار الصحيح»، مشيراً إلى أنّ المركز «يضع جدول أعماله الخاص أولاً»، قبل طلب تمويل أفكاره. وعن العلاقة المالية بمؤسسات مثل «فورد»، قال عويس إنّ المركز «غير مقيّد بما يريده المموّلون. لذا نذهب... ونبحث عن مانحين مختلفين». وشدّد على أنّ المنظمات الدولية والمؤسسات الرئيسية والوكالات الغربية لا توجّه عمل المركز بل تمثل أصحاب المصالح الذين يستفيد المركز من مساهماتهم حين تتاح فرص للتعاون معهم، مضيفاً أن «التحديد» لا يعكس بالضرورة منظوراً واحداً، و«الأحداث هي التي تسيّر مجريات الأمور، وليس المموّلون».
انطلق «المركز اللبناني للدراسات السياسية» عام 1989، وتجلّى حضوره البارز في تكوين شكل الحوكَمة والسياسات في لبنان ما بعد الحرب وفي المنطقة العربية ككلّ. ويقرّ عويس بأن المركز كان من أهم المنظمات التي استطاعت إيصال المجتمع المدني إلى جبهة تحديد السياسات في لبنان.
عام 1998، نُظّمت أول انتخابات بلدية بعد 30 عاماً، وكانت إنجازاً نُسب إلى المجتمع المدني وجهداً رئيسياً بذله «المركز اللبناني للدراسات السياسية» والمنظمات القرينة له. وبحلول عام 1997، استثمرت «مؤسسة فورد» 230 ألف دولار أخرى في المركز، مع إدراج المنحة في قائمة «دعم البحوث ونشرها حول عملية إعادة الإعمار السياسي والإداري في لبنان».
مع نجاح حملة الانتخابات البلدية، ساهمت «مؤسسة فورد»، عام 1998، في تمويل دراسة للمركز بعنوان «الانتخابات البلدية اللبنانية لعام 1998: مخاض الديمقراطية في بنى المجتمعات المحلية». جمعت الدراسة المعلومات الاجتماعية والسياسية والبنى التحتية حول الانتخابات البلدية، بهدف التوصية بمزيد من مشاريع القوانين التي تدعم اللامركزية الإدارية وتعميق نطاق مراقبة الانتخابات من قبل منظمات مثل «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» (LADE).
وفي ظلّ المناخ السياسي الذي أعقب عام 2005، كانت قضايا المركز الجوهرية الدافع الأساس لعدد من التغييرات القانونية والانتخابية الجديدة، إذ لعب دوراً أساسياً في لجنة «قانون فؤاد بطرس» الانتخابي عام 2006، وهي نتاج توصيات بول سالم التي من شأنها أن تمنح مصالح المجتمع المدني نفوذاً أكبر في صنع القرار (مثل خفض سن التصويت إلى 18 سنة، حصة 30% للنساء في البرلمان، وإدراج المغتربين على لوائح الشطب في لبنان). أضف إلى ذلك، الدعوة لتأسيس «ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍلاﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ» التي تضم ممثلين عن وسائل الإعلام، وأكاديميين، فضلاً عن قضاة مختارين، لتحلّ محل وزارة الداخلية. وتضمنت المقترحات أيضاً صياغة قانون اللامركزية الإدارية لعام 2014، وتأسيس «تحالف النفط والغاز في لبنان» عام 2014، بعد عام من التشاور مع القطاعين التجاري والصناعي، للدعوة إلى أن يكون المجتمع المدني «في صميم جهود منع الحكومة من السيطرة الحصرية على القطاع».


بول سالم البداية


أسّس بول سالم، الذي يرأس حالياً معهد الشرق الأوسط في واشنطن، «المركز اللبناني للدراسات السياسية» عام 1989 ليكون «المركز الفكري الأول في لبنان»، وهو تولّى إدارته لـ 10 سنوات، وأشرف على إنشاء ثلاث منظمات غير حكومية أخرى. فضلاً عن «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» عام 1996، ساهم سالم خلال فترة عمله مع المركز في إنشاء «شبكة حلّ النزاعات اللبنانية» عام 1996، و«الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية» عام 1999. واستكمل مشواره في تأسيس «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» في بيروت عام 2006 بتمويل من «مؤسسة فورد»، والذي بات أكبر مركز أبحاث (Think Tank) إقليمياً.