لم تنجح هيئة التنسيق النقابية في فرض معادلتها «الذهبية»: «لا سلسلة، لا امتحانات»، لكنها بقيت قابضة على سلاح مقاطعة أسس التصحيح والتصحيح. هذه هي حصيلة «الكباش» في اليوم الطويل أمس. فقد تواصلت المفاوضات حتى منتصف الليل ليخرج بعدها وزير التربية الياس بو صعب معلناً انتصاره، ويعقد مؤتمراً صحافياً في مكتبه في الوزارة، محاطاً بأركان قيادة الهيئة وبحضور موفدَي بري النائب علي بزي والمسؤول التربوي في حركة أمل حسن زين الدين اللذين شاركا في الاجتماعات ولعبا الدور الحاسم في الوصول الى هذه النتيجة.
أعلن بو صعب أن الامتحانات ستجري في المواعيد المعلنة، ما عدا امتحانات الشهادة المتوسطة التي أرجئت ليوم واحد فقط من الخميس الى الجمعة، وذلك نزولاً عند طلب هيئة التنسيق النقابية نفسها، التي ظنّت أنها بذلك تحفظ ماء وجهها، ولا سيما بعد موقف بو صعب النهاري الذي رفض فيه تأجيل الامتحانات «حتى لربع ساعة». وذكرت مصادر مطّلعة أن هذا التأجيل جاء بناءً على اقتراح بزي، ولم يوافق بو صعب عليه إلا بعد تدخلات مباشرة من الرئيسين نبيه بري وميشال عون. وبحسب هذه المصادر، لم يكن بعض قادة الهيئة، ولا سيما رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، موافقين على هذه «التخريجة»، إلا أن ضغوط حركة أمل المضافة الى ضغوط قوى سياسية أخرى لم تترك مجالاً للرفض من دون إطاحة وحدة الهيئة وتماسكها. هذه «التخريجة» تضمنت أيضاً تعهداً من بو صعب بتجميد كل الإجراءات لوضع أسس التصحيح والتصحيح وإعلان النتائج، كما تضمنت إعلان بو صعب أنه كان في صدد إصدار قرار يعلن فيه إلغاء شهادة «البريفيه»، إلا أن «حرص الهيئة على هذه الشهادة دفعها إلى القبول بإجراء الامتحانات».
في الواقع، شكلت موافقة الهيئة على إجراء الامتحانات، وتأجيلها ليوم واحد، مخرجاً للوزير بو صعب نفسه.

رياض سلامة: لا علاقة لسلسلة الرواتب باستقرار الليرة


فوزارة التربية لم تكن جاهزة أبداً لإجراء هذه الامتحانات في ظل مقاطعة المعلمين لأعمالها، ليس على صعيد المراقبة فقط، بل أيضاً على صعيد الإجراءات التحضيرية والإدارية المسبقة، وخصوصاً وضع الاسئلة. وبحسب المعنيين في الوزارة، فإنّ مراقبة الامتحانات وحدها تحتاج إلى 10 آلاف معلم ومعلمة، على الأقل، لتوزيعهم على 400 مركز في جميع المناطق، وهو الأمر الذي لم يتأمن، على الرغم من الإغراءات «الوهمية» التي قُدّمت إلى المتعاقدين كي يرتكبوا فعل الخيانة لمصالحهم ومصالح زملائهم.
استحالة إجراء الامتحانات من دون موافقة هيئة التنسيق لا تتصل فقط بفشل بو صعب في حشد مراقبين من خارج الملاك، بل تعود أيضاً إلى واقع أنّ مقر وزارة التربية كان قد أصبح فعلياً تحت سيطرة هيئة التنسيق النقابية التي أعلنت أمس الاعتصام المفتوح (نهاراً وليلاً) داخل المقر، وتحديداً أمام مكاتب الموظفين المعنيين بالإعداد للانتخابات، بهدف منعهم من أي أعمال قد تؤدي إلى تسهيل إجراء الامتحانات. كذلك أعلنت رابطة موظفي الإدارة العامّة الإضراب المفتوح حتى 19 الشهر الجاري، وهو الموعد الجديد الذي حدده الرئيس بري لانعقاد الجلسة التشريعية المخصصة لاستكمال درس مشروعي قانوني السلسلة والإجراءات الضريبية الملازمة لها. وهذا الإضراب المفتوح كان كفيلاً بتعطيل إدارات الوزارات كلّها. إلا أن تطورات منتصف الليل أعادت ترتيب الأمور، إذ رفعت هيئة التنسيق النقابية اعتصامها في الوزارة، في حين يواصل الموظفون إضرابهم المعلن، باستثناء الموظفين في دائرة الامتحانات الرسمية.
نجاح بو صعب في أداء مهمّته بكسر إرادة هيئة التنسيق من باب إجراء الامتحانات غصباً عنها، تزامن مع نجاح إضافي لتكتل المصالح المصرفية والعقارية والتجارية في تعطيل مسار إقرار السلسلة والإجراءات الضريبية في مجلس النواب. فالجلسة التي كانت مقررة أمس لهذا الغرض لم تنعقد بسبب غياب كتل نيابية أساسية عنها، وهو ما دفع بري إلى الحديث عن «محاولات تعطيل التشريع وتعطيل الحكومة الآن»، وقال أمام النواب الذين حضروا الجلسة إنّ «كل واحد له هدف من التعطيل، هناك من لا يريد قانوناً انتخابياً جديداً، وهناك من قد لا يكون يريد انتخابات أبداً». وأضاف: «أعتقد أن البعض قبل الضريبة على الفائدة وتكليف المصارف بها ليعطلها في النهاية، لأنه في هذا الميدان ليس بالسهولة أن تأخذ اللقمة من قلب الحيتان. بكل صراحة أقول ذلك».
إذاً، بقّ بري البحصة، وكشف بوضوح أن تعطيل السلسلة لا يمت بصلة الى كل هذا التهويل بخراب البلد والاقتصاد، بل هدفه حماية مصالح «الحيتان»، كما سمّاهم، الذين لا يريدون دفع الضرائب الواجبة عليهم من الأرباح والريوع الطائلة التي يجنونها على حساب أكثرية اللبنانيين، فضلاً عن الهدف السياسي المستجد بتعطيل الدولة ومؤسساتها في عملية ابتزاز فاقعة تحت حجّة الفراغ الرئاسي. وما يعزز من صحّة ما كشفه الرئيس بري هو تركيز «جوقة» نواب المستقبل أمس على بث الشكوك مجدداً في صحّة تقدير حجم الايرادات المتوقعة من الإجراءات الضريبية التي أقرّها مجلس النواب حتى الآن. وفي اتصال مع وزير المالية علي حسن خليل للسؤال عن ذلك، كشف أن الرئيس فؤاد السنيورة كرر، في الاجتماع الذي جمعه معه في مكتب بري قبل يوم من الجلسة، معارضته الشديدة لزيادة الضريبة على ربح الفوائد من 5% الى 7% وإلغاء إعفاء المصارف منها بذريعة أن ذلك سيؤدي الى انكماش الاقتصاد، فضلاً عن تسليمه بعجز الدولة عن جباية الغرامات من محتلي الأملاك العامّة البحرية، لأنهم لن يدفعوا قرشاً، حسبما قال السنيورة.
التهويل لم ينحصر بالخطاب الكلامي والتشويش الإعلامي، بل انتقل، للمرّة الثانية، الى سوق القطع، إذ حصل طلب مشبوه على الدولار عشية الجلسة (أمس) في محاولة لتوجيه رسالة بليغة ضد إقرار السلسلة، وهو ما اضطر مصرف لبنان الى التدخل لكبح المضاربات، من دون محاسبة المسؤولين عنها. إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سارع الى إعلان موقف يقول فيه «إن سلسلة الرتب والرواتب ليس لها علاقة باستقرار الليرة»، محبطاً كل خطاب يهوّل بانهيار العملة الوطنية إذا أقرّت السلسلة، علماً بأن سلامة كرر موقفه السابق لجهة الدعوة الى تقسيط السلسلة على خمس سنوات «حتى لا تؤثر على مالية الدولة».
وكشف بري مساءً أمس أمام زواره عن جوانب من اتفاق (لم يجر الالتزام به) على موضوع سلسلة الرتب والرواتب، على هامش جلسة مجلس النواب لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية الاثنين، شارك فيه رئيس الحكومة تمام سلام والسنيورة والنائبة بهية الحريري، تناول إخراج مشروع السلسلة في جلسة أمس، بعدما رفض بري زيادة واحد في المئة على ضريبة القيمة المضافة اقترحها السنيورة، فردّ بأنه مع زيادة من 10 الى 15 في المئة على الكماليات وزيادة تعرفة الكهرباء الى 300 ليرة على الشطر فوق 500 كيلو واط، واقترح حسم 10 في المئة على مجمل السلسلة. ولفت رئيس المجلس إلى أن الدولة تدفع بدل غلاء معيشة ما يساوي 850 ملياراً من دون إيرادات، في حين ان السلسلة تتضمن هذه الإيرادات، وتالياً فإن إقرارها هو ربح للجميع. وقال إن تيار المستقبل لم يتخذ حتى مساء الاثنين موقفاً يعارض انعقاد المجلس للتشريع، قبل أن يفاجأ بتغيير التيار موقفه، ما بدا انقلاباً على اتفاق الاثنين. وقال إن «تعطيل ما اتفق عليه لا يرتبط بالسلسلة فقط، بل أيضاً بموقف تيار المستقبل وحلفائه بتعطيل جلسات المجلس للتشريع وربط تعطيل المجلس بعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية». وأضاف «إن ما حصل يشكل خطراً على النظام، والمسألة ليست سلسلة رتب ورواتب وامتحانات فحسب، بل محاولة لتعطيل النظام من خلال تعطيل المؤسسات».