يترقّب اللبنانيون انفجاراً في كل لحظة. وعلى وقع الشائعات، تمر ساعاتهم بقلق. حتى ما قبل تفجير أمس الانتحاري، كان كُثُر يطردون صور التفجيرات الانتحارية الماضية ومشاهد الأشلاء المتناثرة. كان هؤلاء يقنعون أنفسهم بأنّ التفجيرات الانتحارية والانتحاريين ذهبوا إلى غير رجعة. كيف لا، وقد تمكن مقاتلو حزب الله والجيش السوري من القضاء على معقلهم في القلمون، واستعادوا يبرود، عاصمة السيارات المفخّخة، كما باتت تُعرف في الأشهر الأخيرة. الكابوس عاد مجدداً.
وعادت الهواجس نفسها لتؤرق أيام اللبنانيين، ليس في الضاحية فحسب، بل على امتداد لبنان. لقد نجحت «القاعدة» وأخواتها من «دولة» و«نصرة» و«كتائب»، في إحداث إرباك كبير في أوساط الأجهزة الأمنية والمواطنين على حد سواء. بدأ ذلك مع الإجراءات الأمنية المشدّدة التي استُعيدت في محيط مستشفيات الضاحية الجنوبية. عادت السواتر الإسمنتية لتُغلق الشوارع الملاصقة لكل من مستشفيات الرسول الأعظم وبهمن والساحل، مترافقة مع انتشار كبير لرجال حزب الله. وبموازاة ذلك، ضجّ المواطنون ووسائل الإعلام بأخبار مغلوطة عن توقيف خلايا إرهابية واكتشاف نفق والاشتباه بسيارة ترصد وأخرى تتهيأ للهجوم الانتحاري. لكن، في الحقيقة، لم يكن هناك متورّطون. حتى المشتبه فيهم الذين أوقفتهم الأجهزة الامنية ثبت أن لا علاقة لهم بـ«الإعداد للعملية الأمنية ضد مستشفيات الضاحية». في الأصل، تقول المصادر الأمنية لـ«الأخبار» إنه «لم يكن هناك معطيات ملموسة». وتذكر المصادر أنّ «كل ما كان متوافراً لديهم معلومة أمنية موجودة لدى استخبارات الجيش عن إعداد مجموعة مرتبطة بـ«كتائب عبد الله عزام» لعملية تستهدف أحد مستشفيات الضاحية الجنوبية»، كاشفاً أنّه «لم يُحدَّد المستشفى المستهدف حتى، باستثناء الإشارة إلى أن المجموعة تعتقد أنّ في أسفل المستشفى الذي تريد استهدافه مركزاً أمنياً لحزب الله». وعلى هذا الخط، رُجّح أن يكون مستشفى الرسول الأعظم، لكن اتُّخذت إجراءات احترازية في محيط المستشفيات الثلاثة. وقد عزز هذه المعلومة، ورود معلومات جديدة من استخبارات غربية تؤكد المعلومة السابقة. كان المعطى الأمني يُرجّح أن «الهجوم سيكون بواسطة شاحنة مفخّخة مع احتمال أن يترافق مع هجوم انغماسيين». وعلى هذه الحال، تكرر الأمر في احتفال حركة أمل في اليونيسكو الذي تقرر إلغاؤه تحسّباً لأي طارئ. لم تكن هناك معلومة مؤكدة عن استهداف الحفل بعمل إرهابي، بل المعلومات الأمنية نفسها عن احتمال حصول هجوم انتحاري في إحدى المناطق. هكذا مرّت الأيام الماضية قلقة على الأجهزة الأمنية التي كانت تترقّب حصول الهجوم في أي لحظة.
الترقّب لم يكن حكراً على الأجهزة الأمنية فقط. المجموعات الجهادية كانت تترقّب أيضاً. فالناشطون في «كتائب عبد الله عزام» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة»، يتحيّنون الفرص للانقضاض على هدف لبناني، أي هدف، لتنفيذ هجوم ردّ اعتبار. ضمن أوساط أفراد هذه التنظيمات، كان الحديث عن عمليات أمنية ضد أهداف لبنانية بمثابة الأمر الواقع لا محالة. يرى هؤلاء أن «الانتقام حتمي ممن قتل إخواننا في سوريا». يعيشون أجواء الإعداد لعملية أمنية في كل لحظة. خلال الأسبوع الجاري، كانوا يترقبون الإجراءات الأمنية في الضاحية الجنوبية. سؤالهم عنها ضرورة لا بد منها في كل محادثة. كذلك الحال مع «فتوحات الدولة في العراق». يشدّهم تفاعل اللبنانيين مع ما يجري هناك ورد فعلهم عليها. عيون أبناء «الدولة» و«كتائب عبد الله عزام» على لبنان. يطرح هؤلاء أسئلة على شاكلة: «هل أرسل حزب الله مقاتلين إلى العراق؟ هل أرهبهم انتصار الدولة في العراق؟ ماذا سيفعلون لو أتت الدولة إليهم؟». الأسئلة لا تنتهي. في إحدى المحادثات، يقول أحد جنود «الدولة» لـ«الأخبار»: «ستبدأ دولة الإسلام العمل على ساحة لبنان عندما يصدر الأمر». تسأل عن السبب، فيردّ قائلاً: «العمل في لبنان سهل. أينما ضربت يُمكن أن تقتل كفّاراً». تستوضحه عن مقصده، فيردّ بأن «المناطق في لبنان مفروزة... مناطق المسلمين من أهل السنّة معروفة ومناطق المسيحيين والشيعة معروفة». تُخبره بأن هناك كثيراً من المناطق اللبنانية مختلطة، فيرد ضاحكاً قبل أن يردف قائلاً: «إن قُتل مسلم بالخطأ بتفجير من إعدادنا، نحتسبه عند الله شهيداً ليُبعث حسب نياته». أجواء أبناء «الدولة» ليست بعيدة عن عناصر «كتائب عبد الله عزام». التنظيم الأكثر سرية هو الأكثر جدية وخطراً حتى الآن من باقي التنظيمات. يعود ذلك إلى أن الساحة اللبنانية هي ملعبه الأوحد بعكس «النصرة» المنشغلة في سوريا و«الدولة» الغارقة في العراق وسوريا معاً.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، كانت الأجهزة الأمنية تتداول معلومات شبه مؤكدة عن نشاط خلايا متشددة على خط الإعداد لعملية أمنية ضخمة. لم يكن بيد ضباطها دليل ملموس يُرشدها إلى الجهة المحتملة. المعلومات المتوافرة كانت ضبابية. كذلك الأمر كان الهدف. شخصيات سياسية وأمنية وتجمعات شعبية، كلها كانت في دائرة الاستهداف. على صعيد ما اصطُلح على تسميته «خلية الحمرا»، لم يكن لدى الأجهزة الأمنية سوى معلومة تفيد بأن «هناك مشتبهاً فيه سعودياً سينزل في فندق نابوليون في الحمرا يتهيأ لتنفيذ عملية انتحارية». هذه المعلومات أبلغتها الاستخبارات الأميركية للأجهزة الأمنية اللبنانية. وقبلها، كانت الأجهزة الأمنية قد تلقّت هذه المعلومة من الاستخبارات الألمانية. هكذا اعتبرت الأجهزة الأمنية أن المعلومات تقاطعت، فلم تجد الأجهزة الأمنية أمامها سوى دهم الفندق لتوقيف المشتبه فيهم. تحرّكت قوّة مشتركة من فرع المعلومات والأمن العام لتنفيذ عملية الدهم. ولمّا كان عدد النزلاء من الجنسيات العربية كبيراً، ساقت القوة المداهمة عدداً منهم إلى التحقيق. رسا عدد الموقوفين على ١٧ مشتبهاً فيه، اثنان منهم كانا نزيلين في فندق آخر (كازادور). وخلال التحقيق، أُفرج عن معظمهم، فيما يُتوقّع أن يُفرج عن الباقين بعد انتهاء التحقيق معهم. فربما كان المشتبه فيه المشار إليه في وثيقة الاستخبارات الأميركية والألمانية قد كان نزيلاً في الفندق في ليلة سابقة، أو ربما لم يحجز في الفندق المذكور بعد».




لا خليّة إرهابية في «نابليون»!

أكّدت مصادر أمنية رسمية لـ«الأخبار» أن عدد الموقوفين في منطقة الحمرا ببيروت بلغ 17 موقوفاً، من جنسيات لبنانية وسعودية وسورية ومغربية ومصرية. وقالت المصادر إن فرع المعلومات أوقف هؤلاء الأشخاص بناءً على معلومات وردت إلى أكثر من جهاز أمني لبناني، تتحدّث عن وجود نية لدى جهات إرهابية بتنفيذ عمليات تفجير، يوم 20/6/2014. وأضافت المعلومات أن «أحد الانتحاريين سعودي الجنسية، وقد يكون أحد نزلاء فندق نابليون ـــ الحمرا». وبناءً على ذلك، تقرر «عدم إهمال» هذه المعلومة. ونُفِّذت عملية دهم لفندق نابليون الذي كان ينزل فيه نحو 100 شخص، أُوقف 15 منهم. كذلك أُوقف شخصان من فندق قريب. وقالت المصادر إن الموقوفين ليسوا مشتبهاً فيهم بعد، بل يجري التدقيق في المستندات العائدة لهم وفي هوياتهم وكومبيوتراتهم لتحديد ما إذا كان أحدهم هو الانتحاري المفترض أو لا. وأضافت: «حتى الآن، لا يمكننا الحديث عن وجود «خلية إرهابية» في الفندق. ما جرى هو محاولة للتثبت مما إذا كان في الفندق مشتبه فيه أو لا».
وقالت المصادر: لا يوجد أي رابط مباشر بين الدهم في فندق «نابليون» وما تردد عن إمكان تعرّض احتفال لحركة أمل في قصر الأونيسكو لهجوم إرهابي. وأضافت: «توافرت لدينا معلومات عن إمكان حصول تفجير. وكان مقرراً إقامة احتفال لحركة أمل في الأونيسكو. فماذا نفعل؟ ألا نطلب تأجيل الاحتفال؟».