يترشح النائب المستقيل ميشال معوض، وهو المدير التنفيذي لـ«مؤسسة رينيه معوض» التي أسّستها والدته على اسم والده الرئيس الراحل، عن دائرة الشمال الثالثة وهي الأعلى تركيزاً بالمرشحين الرئاسيين.في رسالة الفصح، الأسبوع الماضي، قال البطريرك الماروني بشارة الراعي إن «على الشعب اللبناني، وهو يختار نوابه، أن يدرك أنه يختار رئيس الجمهورية المقبل، بل يختار الجمهورية المقبلة»، فأيّ جمهوريةٍ سيكونها لبنان في حال حصول المحال وتولّي معوض منصب الرئاسة؟ قد لا تكون تجربته النيابية كافية لرسم تصور عن هذه الجمهورية. لذلك، قد يكون السبيل الأمثل هو النظر في عمل «مؤسسة رينيه معوض» كنموذج مصغر عن «جمهوريته». هذه المؤسسة، التي في اتساع قطاعات عملها وحرية اتخاذ القرار فيها، وتدفق التمويل الغربي لها، تجعله كرئيس تنفيذي لها قادراً على اتخاذ قرارات حيوية أكثر فاعلية وأهمية مما قد يتاح له في منصب رئاسة الجمهورية. وعليه، إن كانت المؤسسة نموذجاً مصغراً عن جمهوريته، فهل هي فاضلة بالفعل؟ وهل تلبّي عناوين السيادة والاستقلال وبناء الدولة الحلم التي يرسمها للبنانيين؟

في الهيكلية
لفهم أسلوب عمل المؤسسة، نبدأ بإلقاء نظرة على هيكليّتها. إذ إنها تتألف من فرعين، أميركي ولبناني، وكل منهما مجلس إدارة. وللمؤسسة مبادرتان فرعيتان هما: «بيات» و«فرص». ولكن، أينما ولّيت وجهك في فروع المؤسسة ومبادراتها، ستجد أحد أفراد الأسرة أو العائلة في الإدارة، إذ تمسك الأم برئاسة الفرع اللبناني للمؤسسة الى جانب أربعة آخرين من أفراد العائلة في مجلس الإدارة (منهم ميشال معوض وزوجته) من أصل ثمانية أعضاء، أما في الفرع الأميركي فهي عضو شرفي، فيما تقوم موظفة واحدة بكل الأعمال والإدارة بشكل رسمي، والسبب ليس تعفّف الوزيرة السابقة عن المناصب، بل لأن المؤسسة بفرعها الأميركي مسجلة كمؤسسة غير ربحية تحت بند (501) (c ) (3). وبحسب القانون الأميركي، ممنوع عليها أن تكون عائدة لأجانب أو لسياسيين كما يمنع عليها التعاطي في السياسة.
بالنظر الى الأسماء في الإدارات ضمن هيكلية المؤسسة، نرى حرص المؤسسة على توزيع النفوذ والحصص ضمن أفراد العائلة. مسألة أخرى يخدمها هذا التقسيم هي إعطاء المؤسسة مرونة عالية في ضبط الحسابات والميزانيات. فالفرع الأميركي يتعامل مع التبرعات التي تجمعها حفلات العشاء وحملات الدعم، وهو مجبر على تقديم تقارير مفصلة حولها للحفاظ على خاصيته غير الربحية والإعفاء الضريبي. التبرعات التي يجمعها هذا الفرع جزء صغير من عملها، أما الوظيفة الأكبر لهذا الفرع فهي العلاقات والتشبيك السياسي. في المقابل، ميزانية الفرع اللبناني معتّم عليها، فلا تقارير ولا نشرات حولها، في ما عدا عرض واحد موجّه للشركات، نكتشف من خلاله أن الميزانية في عام 2017 هي 10 ملايين دولار، وفي 2018 حوالي 13 مليون دولار، من دون تفاصيل. إذا ما جمعت المشاريع المعلنة في هذين العامين لن تصل الى ربع هذه المبالغ. وكما يوضح المقال السابق حول المؤسسة، فإن التعتيم حول ميزانيات المؤسسة وانعدام الشفافية هما الأعلى عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الأميركية، وأهمها مشروع اللامركزية والحكم المحلي المدار من عوكر.

الحفل الكريم والأعضاء المميّزون
في عمل مؤسسات كهذه، البعد الشخصي شديد التأثير. إذ إن مجالس الإدارة تعتمد على صيت الأعضاء وعلاقاتهم السياسية والاقتصادية. ولفهم المؤسسة من خلال أعضائها، نبدأ بالفرع الأميركي الذي يضم عدة دبلوماسيين ومسؤولين في الحكومة الأميركية صهيونيي التوجهات. فلدينا مثلاً تانيا رحال التي، بحسب سيرتها الذاتية على موقع المؤسسة، تفتخر بكونها من الضيوف المتكررين للبيت الأبيض في مناسبات كثيرة مثل حفل عشاء على شرف إيهود باراك أو حفلات توقيع اتفاقيات سلام عربية ــــ صهيونية. عضو مميز آخر هو حبيب دبس الذي يرأس شركة ATSC. والشركة هي مقاول لدى الحكومة الأميركية في المجالات اللوجستية والاتصالات الآمنة والمراقبات الأمنية وتكامل الأنظمة، وهو حائز تقديرات كمختصّ في عقود وصفقات بيع السلاح الأميركي وتمويلها لدى دول أجنبية. بكلمات أخرى، الرجل تاجر سلاح لمصلحة الحكومة الأميركية، وهو مسؤول عن تركيب أول شبكة اتصالات أميركية لوزارة الداخلية اللبنانية عام 1973، وبذل جهداً ريادياً في إيصال أول منظومة دفاع أميركية إلى مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد. كل هذا وأكثر ستجدونه في السير الذاتية لأعضاء مجلس الإدارة لفرع المؤسسة في أميركا.
في معسكر معوض، تبدو إيران كـ«شرّ مطلق» إن جاز التعبير، وآخر ما يتوقّعه المرء وجود إيرانية في مجلس إدارة الفرع الأميركي، وهي فاريبا جهانباني. لكن فاريبا ليست أيّة إيرانية. فهي المديرة الإقليمية لـ«كارتييه» في باريس، والأهم أنها من عائلة عسكرية ملكية مقربة من الشاه الذي كان ملوك العرب ورؤساؤهم يتذلّلون أمام قدميه لنيل الرضى وتقديم الطاعة. ويبدو أن هذه النسخة من إيران هي إيران التي يحبون.
يضم الفرع الأميركي من المؤسسة دبلوماسيين ومسؤولين أميركيين صهيونيي التوجهات


وفي العلاقات أيضاً، يجب الحديث عن التداخل الكبير بين مجلس إدارة المؤسسة وATFL، فريق العمل الأميركي لأجل لبنان، والذي لوحظ نشاطه الانتخابي العاجل في الأسابيع الماضية. إلا أن الجدير بالذكر أن اسمه يعكس وظيفته، أي أنه يقلبها، فهو فعلياً فريق العمل اللبناني لأجل أميركا ومصالحها في المنطقة. كذلك الأمر بالنسبة إلى علاقات مع منظمات مثل seal. وبشكل عام، فإن مؤسسة رينيه معوض مرتبطة بشبكة مكونة من خمس مؤسسات مجتمع مدني تحاول تغيير الواقع السياسي في البلد لمصلحة الأميركيين.
في الشق الاقتصادي لـ«جمهورية معوض»، دليلنا الرئيسيّ هو عضو مجلس إدارة الفرع اللبناني للمؤسسة جو فريد عيسى الخوري، وهو ابن عم السيدة نايلة معوض، وصهر رياض سلامة، ووالد مروان عيسى الخوري الوارد اسمه مع خالَيه رجا ورياض في قضايا الاختلاس والكسب غير المشروع، وهو أيضاً محامي خاله رجا. المسألة لا تتوقف هنا، فبحسب التقرير السنوي لـ Credit Libanais Group عام 2016، يتبيّن أن جو عيسى الخوري، صهر رياض سلامة، كان عضواً في لجنة لتحديث القوانين أنشأتها وزارة العدل اللبنانية في نفس الوقت الذي كان يخدم فيه في هذه المجموعة وفي مجلس إدارة بنك التمويل، كما كان عضواً في لجنة تحديث القوانين التي أنشأها مصرف لبنان المركزي.
بكلمات أخرى، صهر رياض سلامة «حدّث» القوانين اللبنانية مع وزارة العدل ومع مصرف لبنان، وابن أخته مروان عيسى الخوري يدافع عنه بتلك القوانين التي شارك والده في تصميمها، بينما يخدم الأب مع ابنة عمه في مجلس إدارة مؤسسة رينيه معوض. مروان بدوره ليس بعيداً عن أفعال الخير، فبعد كل المآسي التي تسبّب بها النهب العائلي للبنان، تبرع لضحايا المرفأ بمبلغ 2500 دولار! وقد يكون في هذا التفصيل الصغير العبرة الأهم في عمل هذه المؤسسة الخيري (التبرعات والمعونات)، التبرعات الهزيلة لتغطية السرقات الكبيرة.
«معركتنا» التي تحدث عنها النائب ميشال معوض خلال إطلاق «شمال المواجهة» لها شق اقتصادي، في ظل الواقع المرير الذي يعانيه اللبنانيون. وبحسب معوض، فهذه المعركة هي معركة كل لبنانية ولبناني «يللي خسروا مصريّاتن، واللي ما بدّن يقبلوا بقى إنو ينذلوا». وبطريقة سحرية، حذف المصارف ودور رياض سلامة في إذلال كل لبنانية ولبناني في كل المذلّات التي عدّدها في كلامه المدبج. بعدها بأسابيع، اتضح أن «معركتنا» لرفع الذل عن اللبنانيين هي معركة تشمل غادة عون التي اتهمها معوض بالبلطجة في تغريدة له. ومن خلال النظر لشبكة العلاقات داخل المؤسسة، نفهم الالتحام الفاسد للسياسي بالاقتصادي بالعائلي.
إذاً من خلال النظر للهيكلية نستشفّ العناوين التالية لجمهورية معوض الفاضلة: استنسابية وإقطاع، وانعدام الشفافية، وخدمة المجتمع لغايات سياسية. أما في مبحث الأعضاء المميزين لهذه المؤسسة، فنستخلص عناوين أخرى لجمهورية معوض الفاضلة وهي: حياد تحت خدمة الأجندات الأميركية والصهيونية، وسلام يستفيد منه تجار سلاح، ومحاربة فساد تدافع عن المصرفيين والناهبين.